الرِّشا تنفجر في الغرب .. وسط مزاعم بالعفة والنزاهة والطهارة
في الوقت التي تزعم منظمة الشفافية العالمية في تقاريرها السنوية أن العفة والنزاهة والطهارة في العالم تقع في المنطقة التي تقطنها الدول الغربية، فإن أكبر فضائح الفساد والرِّشا في العالم تشهدها مناطق الدول الغربية، ويجب ألا ننسى فضيحة بنك الاعتماد، ثم سلسلة الفضائح التي تفجرت في عام 2008 والإعلان عن تفليسات مجموعة من المصارف وشركات التأمين الكبرى، ويتحمل تبعات كل هذه الكوارث للأسف الشرق، وما زال الاقتصاد العالمي يعاني الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في عام 2008 وما زالت آثارها باقية حتى الآن.
وبالأمس انفجرت في الغرب وفي أكبر منظمة رياضية دولية الفيفا واحدة من أكبر قضايا الفساد، ويفترض أن تكون المؤسسات الرياضية هي مصدر النزاهة والطهارة والشفافية لا موقع الفساد والتدليس والرِّشا.
وارتفعت أصوات من كل حدب وصوب ضد السويسري جوزيف بلاتر البالغ من العمر 79 سنة، الحاصل على ولاية خامسة على رأس الفيفا بعد الكشف عن إجراءات قضائية ضد تسعة من المسؤولين في المنظمة العالمية وجرت عملية مداهمة واعتقال لمقر الفيفا من قبل السلطات القضائية الأمريكية والسويسرية.
ولقد عانت الفيفا من موجة فضائح خلال فترة رئاسة بلاتر التي دامت 17 عاما، وتتناثر روائح الفساد في هذه الأيام حول إجراءات تقديم العطاءات لبطولتي كأس العالم 2018 و2022!
وفي خضم هذه الظروف المخجلة التي يمر بها الفيفا، أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوياريتش أن المنظمة الدولية تعيد النظر في شراكتها مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي تهزه فضيحة فساد كبيرة كلفته ملاحقات قضائية في الولايات المتحدة وسويسرا، وقال دوياريتش في تصريح صحافي "ننظر عن قرب في الشراكات الموجودة مع الفيفا ونقوم بمراجعة تعاقداتنا مع الفيفا، لأننا لا نريد أن "نلوث" سمعتنا من خلال ارتباط اسم الأمم المتحدة بمنظمة يشوبها الفساد".
إن الفساد في الفيفا لا يترك ردود أفعال سلبية على الفيفا فحسب، بل يتأثر المستوى الكروي في العالم بسبب انفجار عبوات الفساد، فالاتحاد الأوربي يهدد بلاتر بعدم المشاركة في مونديال كأس العالم إذا لم يقدم استقالته من الفيفا، وإذا امتنعت دول أوروبا عن المشاركة في المونديال فإن المونديال سيفقد أهم عناصر نجاحه!
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قضايا الفساد في المنظمات الرياضية الدولية لا تتمثل في الفيفا، بل انفجرت قبل ذلك في عام 1999 قضية الرِّشا التي اتهم فيها مجموعة من أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية البالغ عددهم (13) عضوا بتسلمهم مجموعة هدايا وخدمات تقدر قيمتها بمبلغ 600 ألف دولار أمريكي لمصلحة منح مدينة سولت ليك سيتي الأمريكية حق استضافة الدورات الأولمبية الشتوية لعام 2002.
وبعد انفجار فضيحة سولت ليك .. انفجرت فضيحة الرِّشا التي تم بموجبها منح ولاية أتلانتا الأمريكية حقوق استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في عام 1996.
وأمام هاتين الفضيحتين اللتين كانت الولايات المتحدة الأمريكية طرفا فيهما .. طلب مجلس الشيوخ الأمريكي من رئيس اللجنة الأولمبية الدولية يوم ذاك خوان أنطونيو سامرانش المثول للشهادة أمام اللجنة التي شكلها مجلس الشيوخ للتحقيق في قضية أتلانتا، وكذلك المثول أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) المكلف بالتحقيق في قضية سولت ليك سيتي.
وإزاء هذه الفضائح شهدت الحركة الأولمبية تحركا عالميا واسعا من كثير من روادها، حيث طالبوا بضرورة التحقيق لإعادة جسور الثقة بين الحركة الأولمبية وجماهيرها التي بدأت تفقد الثقة بمصداقية اللجنة الأولمبية الدولية.
ووسط هذه الأجواء العالمية المتوترة، عقدت اللجنة الأولمبية الدولية يوم ذاك اجتماعا عاصفاً برئاسة سامرانش واتخذت قرارا صارخا بطرد ستة من أعضائها ثبت تورطهم في قضايا الرِّشا والفساد المتعلقة بالتصويت لمصلحة بعض المدن لمنحها شرف تنظيم الدورات الأولمبية نظير تسلم بعض الهدايا والأموال، وأمام هذا الفساد المستشري في أوصال اللجنة الأولمبية الدولية، أجرت اللجنة الأولمبية إصلاحات فاقت في أهميتها جميع التعديلات التي جرت خلال تاريخها الذي تجاوز المائة عام، أهمها تخفيض الحد الأعلى لعمر الرئيس من 80 إلى 70 عاما، وتحديد الحد الأقصى لولاية جميع الأعضاء بمن فيهم الرئيس بثماني سنوات يمكن تجديدها لمرة واحدة ولأربع سنوات فقط، وإلغاء الزيارات إلى المدن المرشحة لاستضافة الدورات، أكثر من ذلك قرر سامرانش تشكيل لجنة باسم "لجنة الأخلاق" مهمتها مراقبة تصرفات أعضاء اللجنة الأولمبية وتشديد الإجراءات في جميع المستويات الإدارية للجنة الأولمبية، بهدف تجفيف منابع الفساد والتدليس.
واليوم يتم الكشف عن تلاعب المصارف الغربية بأسعار المعادن النفيسة، بل يتم التلاعب في معدلات الفائدة بتوجيهها نحو اتجاه محدد لتحقيق أغراض محددة، أكثر من ذلك فقد تم إثبات مخالفة بعض المصارف الغربية بمساعدة عملائها على التهرب من دفع الضرائب والتلاعب في أسعار العملات، إلى غير ذلك من أشكال وألوان الفساد والتزوير الذي يتمحور بمهارة فائقة ومهنية عالية في الدول الغربية.
الخلاصة، إذا كانت قضايا الفساد والرِّشا تنفجر في منظمات عالمية كبرى في مواقع مهمة في الدول الغربية، فإن المطلوب من المنظمات التي تضع الغرب في موقع العفة والنزاهة أن تعيد النظر في تقييماتها، وتخف قليلا عن دول العالم الثالث التي دفعت وتدفع ثمن قضايا الفساد التي تتفجر في الغرب، ويدفع ثمنها الشرق الذي لا حول له ولا طول!