فلنهدِّئ من روعنا .. لن يُستغنى عن النفط
قرأت مقالا جميلا وممتعا لأخينا فهد الأحمدي، ولا أروع، في صحيفة الرياض، 3 يونيو، 2015، حول أصل تكوين النفط والنظريات التي تفسر وجوده بهذه الكميات الهائلة. وتطرق أيضا إلى ما يشاع كثيرا هذه الأيام من احتمال الاستغناء عن هذا المصدر المهم من أنواع مصادر الطاقة. ولنبدأ بالموضوع الأول. مع احترامنا الشديد للآراء التي طرحها أخونا فهد باحترافية متميزة، فمن وجهة نظرنا، أن أمر أصل وجود المواد الهيدروكربونية محسوم لمصالح التكوين العضوي الناجم عن تحول النباتات والبقايا الحيوانية، التي كانت تجرفها السيول وتطمرها تحت طبقات الرواسب الطينية العميقة، قبل 600 مليون سنة، حسب تقدير علماء الجيولوجيا. فقد تحولت بفعل الضغط والحرارة إلى غازات وسوائل نفطية. ومنها، نسبة صغيرة، لا تزال موجودة في الحالة الصلبة (مادة الكيروجين) قريب من سطح الأرض، حيث إنها لم تتعرض لعوامل الضغط والحرارة. والسؤال الوجيه الذي ذكره كاتبنا الكريم، هل اختار النفط تلقائيا موطنه داخل المصائد؟ والجواب بطبيعة الحال بالنفي. فبعد تكون النفط، في أي موقع كان في أعماق الأرض وتحت ضغط كبير، أصبح يبحث عن مخرج، يمينا وشمالا، أفقيا ورأسيا. فإن وجد طريقه عبر منافذ الصخور الميكروسكوبية إلى سطح الأرض، حاول الهروب، ومن ثم يتبخر في الهواء خلال ملايين السنين دون أن يترك أثرا. أما النفط الموجود اليوم، فلم يحالفه الحظ أثناء عملية الهجرة وانتهى به المطاف "مصيودا" تحت ما يسمى بالمصائد. والمصائد عبارة عن قبب مقوسة من الطبقات الصخرية، كانت قد تكونت بفعل حركة طبقات الأرض الزلزالية عبر بلايين السنين. وفي الغالب تكون الطبقة العلياء من المكمن أو القبة صماء بحيث لا تسمح للسوائل والغازات النفطية بالنفاذ من خلالها. وهذه الظاهرة تعني أن وجود النفط في منطقة ما ليس بالضرورة أنه قد يكون في موضع عملية الرسوب الأصلي. فقد يكون قد هاجر من مكان تكوينه إلى حيث نجده اليوم. وهذا ربما يفسر لنا الاختلاف الكبير بين النفوط الخفيفة والثقيلة وتباين الخصائص العامة لأنواع النفط المختلفة. فالثقيلة، أو عالية اللزوجة، قد تكون قد فقدت كميات كبيرة من الغازات الذائبة فيها من خلال مسام الصخور التي سمحت لمرور نسبة معينة من الغاز ولم تسمح للسوائل بالنفاذ وبقيت في مكانها. ولو كان وجود النفط من مصادر غير رسوبية، كما يظن البعض، لأمكن اكتشافه بين طبقات الصخور النارية عديمة النفاذية، وهو ما لم يحدث.
والشق الثاني من مقال الأستاذ فهد يتعلق بأمر يتردد كثيرا في وسائل الإعلام قديما وحديثا وببساطة متناهية، دون تبرير علمي، وهو احتمال الاستغناء عن النفط قبل نضوبه الاقتصادي. وكان قد تم اكتشاف الفحم قبل البترول بمائة سنة ولا يزال عند ذروة استهلاكه، ولم نسمع قط من يتنبأ بالاستغناء عنه، على الرغم من أن مميزات النفط غير المحدودة تتفوق على الفحم بعدة أضعاف. ولا هناك سبيل ولا وسيلة لإزالة هذه المقولة من الوسط النفطي إلا ربما عدم الاهتمام بها، لولا أن احتمال انتشارها وانتقالها إلى المسؤولين عن إدارة المنابع النفطية، وهو أمر خطير، قد يشجع على رفع مستوى الإنتاج، خوفا من الاستغناء عنه. وربما أن الخلفية الأكاديمية لمعظم الذين يؤمنون بنظرية الاستغناء عن النفط ليس لها ارتباط مباشر بالبحوث العلمية والتكنولوجية. ولو سلمنا جدلا بأن هناك إمكانية لإيجاد مصادر جديدة وبكميات تفي بمتطلبات المجتمع الدولي لتحل مكان المشتقات النفطية، لاستغرق تطبيقها عشرات العقود، وربما يكون النفط حينذاك قد فقد نسبة كبيرة من إنتاجه وبلغت تكلفته مستوى مرتفعا، بحيث يقلل من أهميته الاقتصادية. والذي يغفله الكثيرون، هو أن المصدر الجديد سيحتاج إلى إنشاء بنية تحتية جديدة ومكلفة. واللافت للنظر، أن الاهتمام بأمور الاستغناء عن النفط يفوق بكثير ما هو أكثر أهمية وأكبر خطورة، وهو احتمال النضوب الطبيعي قبل أن يتوافر لدينا بدائل مناسبة، إذا استثنينا البدائل المتجددة المعروفة اليوم، ومن أبرزها وأهمها الطاقة الشمسية المهدرة. فنظرتنا لمستقبل ثروتنا النفطية لا تزال تقلل من أهمية الاحتفاظ بها أطول وقت ممكن من أجل أحفادنا وأجيالنا القادمة. أما ما يثيره معارضو التلوث البيئي، حول حرق المشتقات النفطية، وتأثير ذلك على مستقبل الإنتاج النفطي، فمن المؤكد أن نشاطهم سيهدأ قليلا عندما تظهر بوادر شح الإمدادات النفطية وعدم الوصول إلى إيجاد بديل مناسب، وهو الأرجح.
وما ذكره رئيس أبحاث الأوبك، من أن النفط سيتدفق لفترة طويلة، فيه كثير من الصحة. نعم، سوف يظل يتدفق لعقود طويلة ولكن بكميات تتضاءل مع مرور الوقت ويصبح إنتاجه مكلفا جدا. فربما بعد أربعة عقود، يكون النفط التقليدي، الذي يمدنا اليوم بنسبة 80 في المائة من الاستهلاك العالمي، قد فقد ما لا يقل عن 30 إلى 40 في المائة من إنتاجه وارتفعت تكلفة الإنتاج إلى مستويات قياسية، وهو ما يعني انخفاضا كبيرا في الدخل النفطي. وما يبقى في المكامن سيظل يتسرب لعشرات السنين. أما مقولة أن مخزونات النفط لم تتراجع (لـ30 عاما) فهو أمر يحتاج إلى إثبات علمي من المنتجين، وهو ما لم نسمع به. ونؤكد أنه لم يكتشف حقل واحد من الحجم المتوسط حول العالم من نوع النفط التقليدي خلال الـ40 عاما الماضية. ومن المؤكد أن الاحتياطيات النفطية الحالية المعلنة في أغلب الدول المصدرة مضخمة بنسبة كبيرة، ولا نعلم الحكمة من ذلك.