النزاهة العلمية في بحوثنا العلمية .. ما متطلباتها؟
تزامنا مع انعقاد المؤتمر الدولي للنزاهة في البحث العلمي في البرازيل خلال هذا الشهر، سأخصص هذه المقالة لهذا الموضوع. والنزاهة في البحث العلمي (Research Integrity) هي – ببساطة - إجراء البحوث العلمية بمسؤولية وأمانة تجاه كل من المبحوثين والداعمين والمجتمع. ومن الضروري الاتفاق بدءا بأن تقدم الأمم لا يمكن إلا من خلال بحث علمي يلتزم بالنزاهة العلمية. وعلى الرغم من أن المجال المخصص لهذه المقالة لا يسمح بالتفاصيل، فإنني سأحاول أن أشير إلى بعض الممارسات التي تعد إخلالا بالنزاهة، ومن أبرزها:
1. الاستشهاد الذاتي (Self- Citation) ببحوث أو كتب المؤلف دون إشارة لها أو المبالغة في الاستشهاد بها من أجل إبرازها للقارئ أو زيادة الاستشهاد بها، دون مبرر علمي قوي.
2. هدر الأموال (Research Waste) ويطلق عليه أحيانا (Junk Science)، وهو الهدر في إجراء بحوث لا تعود بالنفع على المجتمع، ولا تسهم في تطور العلوم وتقدمها.
3. السرقات العلمية (Plagiarism) وهي السطو على جهود الآخرين دون الإشارة إليهم.
4. اختلاق أو تلفيق البيانات أو النتائج (Fabrication) بقصد مسبق، وقد تم ضبط عدد من الحالات في كثير من دول العالم، ومنها في اليابان، ومن أشهرها قيام الباحثة اليابانية أوبوكاتا بتلفيق بيانات عن الخلايا الجذعية ونشرها في مجلة "نيتشر" الشهيرة (Nature) في عام 2014م، وحالات كثيرة في الولايات المتحدة منها، ولا يمكن أن تستثنى الدول العربية من سوء الممارسات.
5. تزوير النتائج (Falsification) وهو التلاعب بالمواد العلمية والأجهزة والعلميات البحثية أو حذف جزء من البيانات دون مبرر علمي أو إحصائي.
وأخيرا أعتقد أن مفهوم النزاهة في البحث العلمي في حاجة ماسة إلى التعزيز سواء بين أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب في جامعاتنا العربية دون استثناء، لذلك فإن تعزيز النزاهة مفهوما وممارسة يتطلب إرساء دعائم بنية تحتية قوية وعمليات تشتمل على ما يلي:
أولا: لا بد من نظام للنزاهة على المستوى الوطني، وقد بادرت جامعة الملك سعود وغيرها باعتماد "القواعد المنظمة لأخلاقيات البحث العلمي". ولكن الأمر يتطلب نظاما على المستوى الوطني مثلما عملت كل من أستراليا وكندا وبريطانيا وغيرها، لذا أدعو وزارة التعليم ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالاشتراك مع هيئة الخبراء في مجلس الوزراء إلى القيام بإعداد ميثاق ينظم إجراء البحث العلمي وكيفية التعامل مع البيئة والإنسان والحيوان وكذلك الداعمين والمشاركين في البحث العلمي أنفسهم ويحدد السلوكيات البحثية السيئة (Misconducts) أو الإخلالات بأخلاقيات البحث العلمي، وذلك تحت عنوان "ميثاق إجراء البحث المسؤول" (Responsible Conduct of Research) أو نحوه.
ثانيا، إنشاء مكتب للنزاهة في البحث العلمي على المستوى الوطني مستقلا عن الجهات المنفذة والداعمة للبحث العلمي، كما هو الحال في الصين والولايات المتحدة (Office of Research Integrity) ليقوم بمتابعة الالتزام بالنزاهة وتحال إليه الشكاوى والقضايا المتعلقة بالإخلال بالنزاهة العلمية، وتجدر الإشارة إلى أن المكتب في الولايات المتحدة الأمريكية يقوم بالإعلان عن حالات الإخلال وأسماء المتورطين فيها.
ثالثا: إلزام الجامعات بإنشاء مكتب للنزهة في البحث العلمي أو مكتب لإجراء البحث المسؤول (RCR) يتولى تعزيز النزاهة في البحوث العلمية والإشراف على إجراء البحوث والتأكد من سلامتها من المخالفات، وتدريب العاملين في هذه المكاتب تدريبا مناسبا.
رابعا، إشارة لما سبق أن اقترحت في اجتماع عمداء البحث العلمي بجامعة الطائف قبل عام تقريبا، أي في 8 رجب 1435 هـ (الموافق 7 مايو 2014 م) بضرورة إنشاء مؤشر وطني أو عربي للاستشهاد لضبط الاستشهاد باللغة العربية (Arab Citation Index)، كما فعلت الصين وكوريا للبحوث لفهرسة الاستشهادات وتصنيف الدوريات العلمية التي تنشر بلغاتها. وفي حالة اللغة العربية، لا بد أن يكون شاملا لجميع الدول العربية، وأن تكون هناك معايير صارمة لتصنيف الدورية ضمن قاعدة بيانات المؤشر، كما يطبق من قبل تومسون رويتر في تصنيف المجلات ضمن شبكة العلوم (Web of Science) التي كانت تعرف بـ (ISI).
وأخيرا يصعب تطبيق النزاهة في البحث العلمي في جامعة واحدة، لأن هناك ترابطا وتفاعلا كبيرا في البحوث والنشر العلمي، فمن الأفضل أن تتضافر الجهود العربية مع الجهود العالمية لمحاربة المخالفات والسلوكيات السيئة في البحث العلمي.