رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


استخدام الناس للنصوص «المقدسة» لاقتراف العنف والفظائع

سندخل في جمعتنا المباركة هذه موضوعا شائكا ومثيرا وربما خطيرا. التطرق إلى ما يراه الناس "مقدسا" أمر ليس من السهولة بمكان.
إننا نولد ونترعرع ضمن ثقافة وبيئة لم نخلقها لأنفسنا وضمن سياق يحتلنا بمفاهيمه حول ماهية الخير والشر. في هذا السياق ومن خلاله نتعلم ما هو الإيمان وما هو الكفر وما هو المقدس وما هو المدنس.
والسياق يستملكنا ويصادر إرادتنا شئنا أم أبينا. نخطئ إن قلنا إننا أحرار وأصحاب إرادة مطلقة. نحن جزء من السياق الذي نحن فيه. والسياق خطاب ورموز. والكتب "المقدسة" ما هي إلا خطاب ورموز. والخطاب والرموز جزء من سياقها ومكانها وزمانها.
هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى إرادة مسلوبة. كم منا اختار الدين أو المذهب الذي هو عليه؟ ولأننا ولدنا ضمن سياق دين ومذهب معين صرنا أو أطلقنا على أنفسنا كذا وكذا.
وكم منا اختار البيئة التي ولد فيها والتي من خلالها اكتسب لونه وإثنيته؟ وكم منا اختار الجنس الذي يحمله من ذكر أو أنثى أو غيره؟
وكم منا اختار وقت ولادته ووفاته وطفولته وريعان شبابه وشيبه؟
باستطاعتنا الاسترسال في الأمور والأشياء التي هي خارج سلطتنا وإرادتنا. كلما زدنا علما وتنويرا، زاد اكتشافنا للأمور والأشياء التي هي خارج إرادتنا.
الكون أوسع بكثير من حدود فكرنا. وحتى الأرض التي نعيش عليها، ما هي إلا نقطة في محيط هذا الكون، لا نعرف كنهها.
هل توصلنا حقيقة إلى معرفة أنفسنا؟
ما نراه "مقدسا" له علاقة وثيقة بمعرفتنا، والمعرفة خطاب وسياق. كان الإنسان القديم قليل المعرفة وكان "المقدس" ضمن رؤيته بدائيا وفطريا، ليس فيه الكثير من التعقيد. بيد أن دفاعه عن "المقدس" لديه ونظرته إليه له الكثير من الشبه بما نقوم به اليوم.
كانت الشعوب في الماضي تقتل وتشن الحروب وتنتهك الأعراض وتقترف الفظائع إن رأت أن "المقدس" لديها ـــ حجرا كان أو صنما أو أيقونة أو صورة أو نصا منحوتا أو ملكا أو كاهنا أو زعيما أو شيخا أو غيره ـــ في خطر أو أن هناك احتمال انتهاك "قداسة" رموزها.
هناك الكثير من الأشياء والأمور التي لا يفقهها الإنسان وهناك الكثير من الأشياء والأمور لا سلطة له عليها، وهناك الكثير من الأشياء والأمور لا ناقة ولا جمل له فيها.
الإنسان بطبيعته فضولي، محب للاستطلاع والمعرفة. المعرفة نصل إليها وتتراكم عندما نعرف السبب والمسبب. ولكن غياب السبب والمسبب لا يلغي فضول الإنسان وحبه ورغبته في الاستطلاع. الشيء والأمر الذي لا يعرف الإنسان سببه ومسببه ينسبه إلى قوى خارقة خارج إرادته.
والخارج عن الإرادة يتقلص بازدياد المعرفة. الكثير من الأمور التي كنا ننسبها إلى قوى خارقة صارت جزءا من الإمكانات المتاحة وفي متناول إنسان اليوم.
وإن سرنا على هذا المنوال التراكمي للمعرفة، لصار كثير من الأمور التي نراها خارقة اليوم ضمن الطاقة المتاحة لنا وفي متناولنا، ولكن مهما بلغنا من معرفة لا بد أن تكون هناك أمور خارقة نجهل سببها ومسببها.
الكتب "المقدسة"، وهنا أخص الأديان السماوية الثلاث ـــ اليهودية والمسيحية والإسلام ـــ أتت هداية ونعمة للبشر، أي أنها أرادت نقل الإنسان من حالة إلى حالة أفضل؛ أفضل عند قياسها مع السياق الذي كان عليه البشر قبل قدومها من معرفة عن نفسه وعن الكون الذي هو فيه.
وهذه الأديان كل له نصه أو نصوصه "المقدسة." والنصوص خطاب، والخطاب معرفة، والمعرفة تنمو ولا تبقى على حال. لا تبقى على حال لأن مفهومنا للخطاب يتغير ــــ لا بد أن يتغير بتغير السياق. النص "المقدس" يبقى، هو رغم التغيرات في السياق، والسياق يحدد نظرتنا للنص الذي نراه "مقدسا." بيد أنه علينا ألا ننسى أن وجهة نظرنا غالبا، إن لم يكن دائما، يحددها السياق الثقافي والاجتماعي واللغوي والبيئوي الذي نحن فيه.
ومن هنا تظهر لدينا تفاسير كثيرة للنص "المقدس" الواحد تؤدي أحيانا إلى ظهور فرق ومذاهب وطوائف مختلفة وأحيانا كثيرة إلى استخدام العنف واقتراف الفظائع باسم النص "المقدس" ذاته الذي غايته الأساسية كانت الرحمة والمحبة والتسامح والإخاء والود والنعمة والخير للإنسانية جمعاء.
ولا نستطيع استثناء أتباع أي نص "مقدس" من اقتراف الفظائع باسم النص "المقدس" ذاته إن كانوا يهودا أو مسيحيين أو مسلمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي