لا صوت يعلو فوق صوت الدولة
خلال نقل الأمير محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية ـــ حفظه الله ـــ تعازي خادم الحرمين الشريفين لذوي وأسر ضحايا تفجير قرية القديح الإرهابي تقدم أحد المواطنين طالبا الحديث ليقول: إن لم تقم الحكومة بدورها فهي شريكة في هذا الجرم، فما كان من ولي العهد إلا التجاوب مع المواطن بالقول: "لا.. شوف اسمعني أنا داري إنك منفعل ولا ألومك في اللي أنت فيه.. الدولة قائمة بدورها.. وأي أحد يحاول أن يقوم بدور الدولة سوف يحاسب».. ليقول بعدها المواطن: «أقصد قناة وصال الفضائية سمو الأمير».. فجاء رده: «لا لا لا.. اسمعني.. أي أحد سيحاول أن يقوم بدور الدولة سوف يحاسب.. ولن تأخذ الدولة في الله لومة لائم.. الدولة ستبقى دولة.. وستضبط الأمن مع من يخالف كائنا من كان.. فخلينا نكون كلنا يدا واحدة مع الدولة».. فرد المواطن: نحن مع الدولة.. ليقول ولي العهد له: «بارك الله فيك».
رد ولي العهد كان حازما وحاسما وشافيا في اللحظة نفسها، نعم شافيا لمرض خطير جدا وهو مرض الافتئات على الدولة وأخذ إحدى صلاحياتها السيادية وهي صلاحية حماية الأمن من قبل أفراد مجهولين غير مخولين بمثل هذه الصلاحية وفق نظام الأجهزة الأمنية الرسمية المدربة والمؤهلة للتعامل مع الجمهور والمتهمين والمجرمين وفق النظام وبمهارات قتالية قياسية.
الدولة الفاشلة المهيأة للتفكك هي الدولة التي تفقد السيطرة على جزء من أراضيها وشعبها وتصبح السلطة بيد ميليشيات شعبية "لجان شعبية من باب التجميل" تقوم بالمراقبة والتفتيش والضبط وإصدار الأحكام وتنفيذها كما هو وضع ميليشيا حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن وعصائب الحق وغيرها في العراق وميليشيا "القاعدة" في اليمن و"داعش" في العراق وسورية.
بلادنا ـــ ولله الحمد والمنة ـــ قوية بقيادتها وشعبها وتماسك جميع فئات المجتمع واستطاعت أن تتجاوز تفجيرات القاعدة الإرهابية في العقد الماضي بكل كفاءة واقتدار، نعم هناك تفجيرات تقع وهذا متوقع ويحدث في كل دول العالم ولكنها تفجيرات تعد على أصابع اليد ويتم القبض على منفذيها أو من هم وراءهم ومحاسبتهم وفق النظام، وبالتالي كل من يطالب بتكوين ميليشيا شعبية تحت مسمى لجان شعبية إنما يستهدف بكل وضوح تحقيق أهداف الجهة الإرهابية ومن يقف وراءها من دول المنطقة التي باتت لا تخفى على عين أي متبصر للواقع بعيدا عن العواطف المذهبية.
تعرضت مدينتا الرياض والدمام في العقد الماضي واستشهد بعض رجال الأمن والمواطنين وتعرضت المباني والمصالح للضرر ولم نسمع أحدا من أبناء بلادنا يطالب بتشكيل لجان شعبية للدفاع عن النفس فكل ما سمعناه تشجيع ودعم الأجهزة الأمنية كافة لتقوم بمهمتها والدعوة كي يكون كل مواطن رجل أمن بالتبليغ عما يراه من أمور مثيرة للريبة والشبهات إضافة إلى تعاون الكثير من أصحاب المباني والعقارات والشركات بالتعاقد مع الشركات الأمنية المدنية المرخصة وفق النظام التي عادة ما يملكها ويعمل فيها رجال أمن سابقون عملوا في الأجهزة الأمنية وتمرسوا في العمل الأمني وأتقنوه.
استشهد عدد من رجال الأمن في القطيف على أيدي إرهابيين من أهالي المنطقة ولم نسمع أحدا يطالب بتشكيل لجان شعبية في القطيف لحماية رجال الأمن وجمع الأسلحة ومناصحة المغررين لدرء الفتنة ومنع وقوعها كما لم نسمع بأصوات تطالب بضرورة الضرب بيد من حديد على الإرهاب الشيعي، كما طالب جميع أبناء المملكة بالضرب بيد من حديد على الإرهاب السني فالإرهاب لا دين ولا مذهب له.
أن يقع انفجاران في جمعتين في مساجد للإخوة من الطائفة الشيعية من قبل "داعش" الإرهابية ومن يوجهها لا يعني أن الطائفة الشيعية هي المستهدفة بقدر ما يعني أن الوطن هو المستهدف من خلال إشعال فتنة طائفية محصلتها إضعاف قوة الدولة وتفكيكها وعلى المطالبين بتكوين اللجان الشعبية عوضا عن المطالبة بمواجهة الإرهاب بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وفق النظام أن يدركوا أنهم بمطالبهم هذه إنما يحققون هدف "داعش" المنفذة للتفجيرين ومن يقف وراءها.
لنتحدث بصراحة أكثر، إن تشكيل لجان شعبية ذات سلطة أمنية خط أحمر ومرفوض رفضا باتا من جهتنا كمواطنين كما هو مرفوض من قيادتنا ـــ رعاها الله ــــ وعلى كل مواطن حريص على أمن بلادنا واستقرارها أن يرفض ذلك مهما كانت الظروف وعلينا أن ننظر حولنا لنرى الدمار الذي لحق بالدول المجاورة التي تنازلت حكوماتها وشعوبها لجماعات معينة في تشكيل لجان حماية شعبية لأي سبب حيث دخلت بنفق مظلم لا بصيص أمل في الخروج منه كما يتضح لنا جميعا وتشرذمت هذه الدول لقطاعات يحكمها أمراء حرب.
وأود أن أؤكد هنا أن الروايات التي أكدت دور لجان حماية المسجد وأغفلت دور رجال الأمن الظاهرين للعيان أو رجال البحث في الحد من آثار العمل الإرهابي الذي وقع بمواقف سيارات مسجد الإمام الحسين ـــ رضي الله عنه ــــ في مدينة الدمام للتبرير لتكوين اللجان الشعبية بشكل ضمني إنما تدعم خطط الإرهابيين وتخدم تحقيق أهدافهم، وأحمد الله أن "السيلفي" الذي انتشر للشهيدين أوضح وجود الدورية الأمنية قبل وقوع الانفجار وهو دليل على قيام الجهات الأمنية بدورها الاستباقي واللاحق على أكمل وجه، وعلى الجميع التعاون معها وعدم أخذ دورها وادعائه للغير ظلما وبهتانا وزورا لتحقيق مآرب أعداء البلاد.
ختاما نقولها بملء أفواهنا "لا صوت يعلو فوق صوت الدولة ولن نرضى بأي شكل من أشكال اللجان الشعبية وعلى الجميع الانتباه لمخاطر هذه الخطوة" وعلينا أن ندرك جميعا أن رجال الأمن المؤهلين تأهيلا متقدما على مواجهة المجرمين والإرهابيين استباقيا أو في موقع الحدث هم المخولون بحفظ الأمن وهم الأقدر عليه وعلينا التعاون معهم بالإبلاغ عن كل ما يثير الريبة والشبهة".