رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الترويج للدخول إلى سوق الأسهم

مرت سوق الأوراق المالية في المملكة، بعدة مراحل تطويرية طيلة الـ 50 عاما الماضية، بدءا بسوق غير رسمية استمرت حتى أوائل الثمانينات الميلادية عندما بدأت مؤسسة النقد تنظيم السوق وتطويرها بشكل إلكتروني إلى أن تم تأسيس هيئة السوق المالية عام 2003 وإطلاق نظام إلكتروني للتداول من خلال الإنترنت. هل تقوم الجهات الرسمية، حكومية وغير حكومية، بالترويج للدخول في سوق الأسهم؟ هل التعامل بالأسهم يصلح لكل الناس؟
إن من أهم الأسباب التي جعلت كثيرا من الناس يتعاملون بالأسهم هي شبكة الإنترنت التي جعلت تداول الأسهم أمر في غاية السهولة، غير أن هناك سببا آخر لا يقل أهمية عن تأثير الإنترنت، ألا وهو آلية الاكتتاب المتبعة عند طرح أسهم جديدة في السوق. مشكلة آلية الاكتتاب هذه أنها مبنية على مفهوم صحيح في ظاهره وخطير في نتائجه، وذلك لأن الآلية تسعى إلى المساواة بين المكتتبين، ما يعني أن لكل مواطن سعودي الحق في الاكتتاب وله نصيب مضمون من الأسهم المطروحة، وأنه في حال عدم قيامه بالاكتتاب فإنه في واقع الأمر "يفوِّت" على نفسه فرصة الحصول على أسهم مربحة تم تخصيصها له. الخطورة في هذه الآلية أنها أصبحت دعاية كبيرة لسوق الأسهم، جعلت فئات عديدة من المجتمع تتجه للأسهم على الرغم من عدم مناسبة الأسهم كوسيلة استثمارية لهم. بعض من يكتتب يكتفي بالاكتتاب، فيتخارج سريعا منه، ثم ينتظر حتى الاكتتاب القادم. وآخرون تروق لهم فكرة الأسهم فيقومون بشراء أسهم أخرى، ويبيعون ويشترون، إلى أن يصبحوا من المتداولين للأسهم، إما كمستثمرين أو كمضاربين. هنا نرى كيف أن بعض القرارات التنظيمية الرسمية تؤدي إلى نتائج سلبية، ذلك لأن من المفترض أن قرار الدخول في عالم الأسهم يجب أن يتخذ بصورة طبيعية من قبل الشخص وبقناعة منه، لا أن يأتي بسبب آلية للاكتتاب دفعته إلى ذلك.
قد يدافع شخص عن آلية الاكتتاب هذه بقوله إننا رأينا مرارا وتكرارا أن عمليات الاكتتاب مربحة، فلماذا نحرم المواطنين من فرصة تحقيق ربح شبه مضمون من خلال المشاركة في الاكتتاب؟ الخطأ هنا أنه كما ذكرنا قبل قليل أن عمليات الاكتتاب أصبحت مدخلا إلى عالم الأسهم المعروف بمخاطره العالية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ليست جميع الاكتتابات مضمونة الربح، خصوصا تلك التي تحتوي على علاوات إصدار، كما أن الربح يأتي غالبا بسبب تدخل الجهات الرسمية في تحديد سعر الاكتتاب، بجعله عشرة ريالات للشركات الجديدة، الأمر الذي يتنافى مع المفاهيم الاقتصادية والمالية التي تقول بأن من يحدد الأسعار هي قوى العرض والطلب، لا القرارات الحكومية. أي أن الإقبال على الاكتتابات يأتي بسبب كون السعر المطروح متدنيا بشكل يجعل الاكتتاب أمرا مربحا. المشكلة أن تدخل الأنظمة الرسمية في تحديد أسعار الاكتتاب ومنح كل مواطن حصة من الأسهم المطروحة، يوحي للمواطن بأن الاكتتاب عبارة عن منحة مالية مقدمة من الحكومة للمواطن، لا على أنها عملية استثمارية بين شركة خاصة ومستثمرين. ربما تتم أول خطوة تطويرية للسوق بنزع الطابع الحكومي الرسمي عن هذه العملية، لا سيما أن في ذلك إخلاء لمسؤولية الحكومة في حال فشل الاكتتاب، وإيقاف للترويج غير المباشر للأسهم من قبل الحكومة.
باب آخر إلى عالم الأسهم يتم من خلال القروض الشخصية التي تتم من خلال التورق بالأسهم، وعلى الرغم من أن أعداد من يلجون إلى السوق من هذا الباب ليسوا بعدد من يلجون من باب الاكتتاب، إلا أن هذه الباب أخطر من باب الاكتتاب. السبب في ذلك أن من يدخل عن طريق باب التورق هو في الحقيقة شخص يحتاج إلى المال، كونه متقدما على قرض شخصي لسد احتياجات مالية لديه، لذا فهو بكل تأكيد ليس الشخص المناسب للتعامل بالأسهم. كيف يتم الدخول في الأسهم من باب التورق في الأسهم؟
القصة بدأت عندما أجاز مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي عام 1988 عملية التورق، فسارع عديد من المصارف في العالم الإسلامي وغير الإسلامي بالأخذ بهذه الطريقة كوسيلة تمويل شرعية، على الرغم من استمرار الجدل حول مدى شرعيتها. فكرة التورق هي أنها طريقة للحصول على النقد من خلال شراء سلعة بثمن مؤجل وبيعها بسعر فوري، تفاديا للوقوع في مسألة الربا. في صورتها التقليدية يقوم شخص، على سبيل المثال، بشراء سلعة من تاجر بسعر 110 آلاف ريال، بينما سعرها الحالي في السوق 100 ألف ريال فقط، غير أنه يقوم بتسديد قيمتها على أقساط شهرية لمدة عام واحد. هنا لا خلل في هذه العملية فهي من البيع المباح. وبما أن المشتري لا يرغب في شراء السلعة في حد ذاتها فهو يقوم ببيعها في السوق بسعر 100 ألف ريال نقدا، فيحصل على النقد الذي سعى إليه. وهذه كذلك لا غبار عليها من الناحية الشرعية، شريطة أن يتم بالفعل شراء السلعة من قبل الشخص طالب التمويل، وأن يكون التاجر البائع للسلعة ممتلكا فعليا للسلعة قبل بيعها بهدف إزالة العينة عن عملية البيع، والعينة هي بيع السلعة على التاجر نفسه. المشكلة هنا أن الأسهم أصبحت الآن أفضل سلعة للتورق وأقرب إلى تطبيق ضوابطه من السلع الملموسة الأخرى، ولكن ذلك يأتي بمخاطرة أعلى من بقية السلع بسبب طبيعة حركة الأسهم، خصوصا لدينا في المملكة. مصدر المخاطرة أن الشخص طالب القرض عليه القيام ببيع الأسهم التي يمتلكها نتيجة التورق، ما يجعله عرضة لتقلبات أسعار الأسهم من ناحية، ومن ناحية أخرى كون هذه الطريقة قامت بشكل غير مباشر بتعريفه بسوق الأسهم وربما بإغرائه بتداول الأسهم، الأمر الذي لم يكن في حسبان الشخص عندما قدم للحصول على قرض شخصي.
ختاما، يجب ألا يكون هناك أي قرارات رسمية من شأنها الترويج لسوق الأسهم، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، وذلك لأن الأسهم وسيلة استثمارية لها طابع خاص، تتميز بارتفاع مستوى المخاطرة ولا تناسب جميع الناس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي