رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سؤال مباشر إلى وزير التعليم

أريد أن أسأل وزير التعليم سؤالا يدور على كل لسان، والسؤال هو: هل أنت راضٍ عن مستوى التعليم في مدارس وكليات المملكة؟
دعونا نستبق الإجابة، وأزعم أن بعض المناهج التعليمية لا توصل إلى التعليم العصري المنشود، كما أن المدرس والمدرب من الطينة القديمة التي تلقن وتحفظ، ولم ترتق إلى مستوى العملية التعليمية العصرية التي تفهم وتوعي وتطبق. ولنضرب مثلا بسيطا، الجامعات السعودية تشكو بشدة من ضعف طلاب الثانويات العامة، ومن ناحيته فإن سوق العمل يشكو من ضعف وهزال في مستوى خريجي الجامعات في كل التخصصات، بل إن وزارة الصحة تشكو من خريجي كليات الطب السعودية.
وهكذا، فالجامعات ترمي على مخرجات التعليم، والسوق ترمي على مخرجات الجامعات.
إذا كان التعليم في جانب كبير منه يعتمد على مواد لا علاقة لها بالتقدم الفني على الأرض، فإننا لن نبلغ المجتمع المعرفي المستهدف، وسنظل في مكاننا لا نحقق أي تقدم، ولا نسهم في التنمية المستدامة، ولا نساعد على تحقيق التوطين وبرامج السعودة.
أما إذا أردنا أن نبني مجتمع المعرفة ونلحق بالدول المتقدمة، فإن هناك مناهج جديدة يجب أن نأخذ بها، ويجب أن نقررها في مدارسنا وكلياتنا، ولعل أهمها مقررات تقنية المعلومات.
يجب أن نفطن إلى أن الهدف الأساس من التعليم هو الاستفادة من ابتكارات المواطن، وكذلك من دراسات وبحوث وخبرات وتجارب الآخرين.
نعم لا نريد مناهج ماضية تبكي على الأطلال وتبحث عن أمجاد الماضي، مع الاستخفاف بعلوم الحاضر والمستقبل. الآن نحن نقف في منطقة نكون أو لا نكون، والفيصل هو جودة التعليم، وإذا درسنا الأسباب التي أوصلت كوريا الجنوبية أو تايوان أو سنغافورا أو الهند أو الصين إلى مصاف الدول المتقدمة، نجد أن السبب هو التعليم.
ولذلك يجب أن نعترف بأن مناهجنا التعليمية يشوبها شيء كبير من العوار، وتحتاج إلى تنقية وإصلاح وتجويد، وإلى إعادة هيكلة حتى تكون عامل الدفع الأكبر لتطوير المجتمع السعودي المتطلع دوما إلى مستقبل وارف بالخير والتقدم. أهداف التعليم يجب أن يحددها التعليم المعرفي، الذي يتمتع بالابتكار والإبداع والحلول غير التقليدية، فلا فائدة ترتجى دون أن نتجه إلى بناء مجتمع المعرفة، الذي يعول على ثورة المعلومات، ويعتمد بالضرورة على تكنولوجيا المعلومات. هذه هي عُدَّةُ التعليم العصري، التي يجب أن تكون في أيدينا ونحن نأخذ طريقنا إلى بناء المجتمع، هذه هي وسائل تحويل التعليم من تعليم متكلس مثقل بأوهام الماضي، إلى تعليم معرفي يعتمد على الإبداع والحلول غير التقليدية. لا ننكر أن الاقتصاد السعودي سيدخل منعطفا سلبيا مع بداية عام 2015 بسبب انخفاض أسعار البترول، وطالما أننا قبالة "زنقة" اقتصادية قادمة، فإن الكلام عن تنويع مصادر الدخل يطرح نفسه ضمن الحلول التي نطرحها ويطرحها معنا الكثير من المستنيرين.
إن اقتصاد المعرفة من العناوين المهمة التي يطرحها المثقف السعودي لتنويع مصادر الدخل، ونعتبر التعليم على رأس أجندة اقتصاد المعرفة، ونقصد التعليم المفرز للابتكار واستخدام التكنولوجيا؛ لأنهما يعتبران حجر الأساس في بناء اقتصاد يقوم على المعرفة؛ أي أننا إذا كنا نبحث عن تنويع مصادر الدخل، فإن الطريق الوحيدة التي أمامنا هي اقتصاد المعرفة.
إن أهم متطلبات اقتصاد المعرفة امتلاك نظام تعليمي عالي الكفاءة، ومخرجاته قادرة على المنافسة عالميا.
والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فعالا نهما إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.
وإذا كان التعليم حجر الأساس للانتقال إلى مجتمع المعرفة، فإننا نحتاج إلى إصلاح حقيقي في التعليم.
وإذا نظرنا إلى مجتمع المعرفة في الدول الناشئة، نجد أن الثروة البشرية هي المحرك الأساس للثروة الطبيعية، ولذلك فإن تطوير التعليم مطلب ملح على طريق تكوين مجتمع معرفي راسخ ومتين.
ونلاحظ بهذه المناسبة أن الدول التي عندها مستويات أفضل في الابتكار والتطور التكنولوجي هي الدول التي تتمتع بمستويات أفضل في نموها الاقتصادي، وعلى عكس ذلك الدول التي يكون فيها الابتكار منخفضا والتكنولوجيا غائبة يكون النمو الاقتصادي منخفضا، ويكون التنويع في مصادر الدخل شحيحا ومتعثرا.
والمملكة لها محاولات في مجال الابتكار واستخدام التكنولوجيا، ولكن مع الأسف هذه المحاولات لم تحقق النجاح الكامل، فالتعليم الذي يفرز المواهب الابتكارية يتعثر في مخرجات ضعيفة لا تقوى على الإبداع، ولذلك فنحن ما زلنا دولة استهلاكية من الطراز الأول، دولة اعتمدت في مواردها- على مدى نصف قرن- على البترول كمصدر للإيرادات يغطي نحو 90 في المائة من مجموع إيرادات الدولة، لم نصل إلى صيغ جديدة في التفكير والإبداع وتنويع مصادر الدخل، لم نشجع على تكوين فريق للبحث العلمي؛ لأن الإبداع يحتاج إلى فريق من الباحثين، بل نحن لم نعط للبحث العلمي إلا الشحيح جدا من المال.
تنتشر في المراكز البحثية العالمية في هذه الأيام مستويات عليا من الموارد البشرية عالية التأهيل، تتعامل وتتفاعل مع آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات؛ أي أن الاقتصاد ينتج ويوظف المعرفة لتحقيق مزيد من تراكم الثروة.
ولذلك فإن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية، التي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة، تقترن بالمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية وتراكم المعرفة.
ويجب أن ندرك أن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي التقليدي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، وإنما هو المجتمع المنتج للمعرفة، الساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها لبناء ثروة بشرية مبدعة.
إن سر تفوق سنغافورة أنها بدأت وَثْبَتَها من تنمية الإنسان، لكي يعمل ويبدع وينتج، وأقامت نظاما تعليميا وتقنيا من أقوى أنظمة التعليم التقني في العالم، كما أن تطوير الإنسان وتدريبه وتنمية مهاراته وقدراته في سنغافورا عمليات لا تتوقف، وكانت سياسة الرئيس المعجزة "لي كوان يو" ترتكز على وجه الخصوص على الارتقاء بالقوى العاملة في مجال الخدمات؛ أي على قطاع التجارة والترانزيت والسياحة والصناعات التجميعية، فالاستثمار في اليد العاملة والارتقاء بها هو "أس" نجاح وتفوق سنغافورة. قبل سنغافورا دعونا نأخذ كوريا الجنوبية مثلا أعلى في الحديث عن مجتمع المعرفة؛ لأنها المثل الصارخ لمجتمع معرفي استطاع أن يقفز بكوريا من وحل الانكسار والتخلف، ويأخذها إلى مراقي التطور والبناء، كوريا خرجت من الحرب الكونية الثانية وهي محطمة الأوصال، ليس لديها ما يمكن أن يساعدها على العودة إلى سواء السبيل. ولكن المجتمع الكوري أخذ يفيق من كبوته، ويتدافع بكل إخلاص نحو المعرفة، ويواجه التحديات ليبني مجتمعا معرفيا ينقذ كوريا من مرحلة الحرب المدمرة التي لم تبق ولم تذر، إلى مرحلة التنمية المستدامة.
كوريا اليوم تتنافس مع الخمسة الكبار: أمريكا واليابان والصين وألمانيا وكل أوروبا.
نحن في المملكة نريد أن نغير المجتمع السعودي من مجتمع يتلهى بالتعليم، إلى مجتمع يفعل التعليم، ومن مجتمع لا معرفي إلى مجتمع معرفي، ومن مجتمع استهلاكي إلى مجتمع إنتاجي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي