من أجل تعزيز التعايش بين الطوائف الإسلامية
يسعى أصحاب العقول النيرة والنفوس الخيّرة إلى تعزيز السلم العالمي من خلال حوار الحضارات والأديان، فنحن نعيش على كوكب واحد أصبح يتضاءل مع تقدم تقنيات الاتصال والتواصل. قال الله تعالى "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمين" (الروم: 22)، كما قال -عز وجل- "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". وقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة في هذا المجال تُذكر فتشكر. ولكن من الغرابة بمكان أن يصبح الصراع بين الطوائف الدينية الإسلامية أشد وأشرس من أي صراع آخر سواء كان بين الأديان المختلفة أو بين القوى السياسية! هل يعتقد الرافضون للتعايش بين الطوائف الإسلامية أنهم يستطيعون أن يمحوا أتباع الطوائف الأخرى من الوجود؟! وبأي دين أو ملة يُجيز هؤلاء العباد هدر دماء أتباع الطوائف الأخرى؟! أعتقد جازما أن الدين الإسلامي الحنيف بريء من هذه الأفكار "الإقصائية" التي تدعو إلى قتل الأبرياء في سبيل كسب رضا الخالق والتقرب إليه! في ضوء العداء القائم والاتهامات المتبادلة بين أتباع المذاهب والطوائف التي تدعي انتماءها إلى الإسلام، لقد وصل الأمر إلى مرحلة خطرة تنذر بتدمير شامل في كافة أرجاء العالم الإسلامي، خاصة أن الطائفية (المقيتة) أشد خطرا وأقوى تدميرا من القنبلة الذرية. لا تكاد تخلو دولة إسلامية من تفجيرات ترتبط خيوطها بالطائفية من إندونيسيا والباكستان وأفغانستان شرقا إلى العراق وسورية ولبنان والبحرين والسعودية ومصر وليبيا والجزائر غربا. والمتتبع أنشطة المنظمات الإسلامية الدولية خلال العقود الماضية لا بد أن ينتهي إلى أن المنظمات الدولية الإسلامية فشلت في تعزيز التفاهم بين أتباع الطوائف المختلفة، على الرغم من كثرة مؤتمراتها واجتماعاتها التي لم تفضِ إلى إنجاز يُذكر في خدمة التعايش بين المسلمين. ولتعزيز التعايش والاحترام بين المذاهب والطوائف الإسلامية، أقترح العمل على تحقيق النقاط التالية: أولا: أصبح باب الفتوى مفتوحا على مصراعيه لمن هب ودب، لتكفير الآخرين وإهدار دمائهم دون وجه حق، ما نتج عنه وصول حال المسلمين إلى مرحلة الخطر، خاصة بعدما تحول الفكر – إن جاز لنا أن نسميه فكرا – إلى سلوك وأسلوب حياة، ما يدعو إلى الحد من الفتاوى التي ترفض التقدم الحضاري الإنساني الحتمي، وتدعو إلى إزهاق الأرواح وتفريغ العالم من أتباع المذاهب والأديان الأخرى، وهنا يتضح تقصير المرجعيات الدينية وعدم فعالية الخطاب الديني المعتدل!
ثانيا: اعترافا بصعوبة الاختلافات المذهبية وتعقيداتها وخلفياتها التاريخية، وإيمانا بضرورة التعايش من أجل البقاء، ينبغي أن يضرب أتباع المذاهب الإسلامية نموذجا مشرفا يحتذى به في التعايش والتفاهم والتسامح والقبول بالآخر، وذلك من خلال الإجماع أو الاتفاق على "ميثاق أو إعلان للتفاهم بين المذاهب الإسلامية" يتم التوصل إليه من خلال عقد مؤتمر دولي تُطرح فيه أوراق معتدلة، تسعى إلى تقريب وجهات النظر، وتدعو إلى التسامح والتعايش بين الطوائف الدينية.
ثالثا: لا بد من احترام مقدسات المذاهب ورموزها الدينية، فلا يمكن التصالح والتعايش بين المذاهب، إذا كان كل طرف (أو أحد الأطراف) يقوم بشتم شخصيات ورموز دينية لها مكانتها لدى المذهب الآخر. كيف يكون ذلك، والمنطق القويم، العقل السليم، وكذلك المجتمع الدولي، جميعها تدعو إلى احترام الرموز الدينية ليس للأديان السماوية فحسب، بل حتى للمعتقدات غير السماوية كالبوذية ونحوها. فكيف يُقبل بالعداء بين أتباع الدين الواحد (الإسلام)! ما يُقال عن شتم بعض أتباع المذهب الشيعي بعض الصحابة - رضوان الله عليهم- أمر لا يمكن القبول به، تحت أي مبرر أو ذريعة!
رابعا: لمنع الاحتكاك والحد من الاستفزاز، ينبغي الاتفاق فيما بين أتباع المذاهب الإسلامية على امتناع أتباع أي مذهب عن الدعوة إلى مذهبه في المناطق التي يسود فيها المذهب الآخر، خاصة أن الدعوة إلى الأديان والتعريف بمبادئها أصبحت متاحة من خلال الفضائيات، ومع ذلك ينبغي أن تلتزم الفضائيات باحترام المذاهب الأخرى وعدم المساس برموزها المقدسة.
خامسا: تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي (الخاملة) لتقوم بدور أكثر حيوية في المراقبة وضمان الالتزام بميثاق أو إعلان التفاهم (المقترح) بين المذاهب الإسلامية، ودحض الفتاوى التكفيرية المتطرفة أيا كان مصدرها.
وقفة: "أيها المراؤون.. توقفوا عن الدفاع عن الله.. ودافعوا عن الإنسان، كي يتمكن من التعرف على الله". (جبران خليل جبران).