رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مقترحات الصناديق السيادية

عند كل مرة ترتفع فيها أسعار النفط ويزداد تدفق العوائد المالية النفطية تطرح في المملكة قضية إنشاء صندوق سيادي. ويعرف الصندوق السيادي ببساطة على أنه وعاء استثماري حكومي في أصول مختلفة تكون في العادة أجنبية. ويدار الصندوق السيادي لاستدامة التدفقات المالية من الثروات الطبيعية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة فيها، أو تحقيق عوائد من فوائض الحساب الجاري وتوفير الاستقرار المالي. وتسهم الصناديق السيادية في تنويع دخل الدول والإيرادات الحكومية. ويمكن استخدامه للحد من ضغوط المبالغة في الإنفاق الجاري أو الرأسمالي منخفض العائد في طفرات الإيرادات المالية. ويمكن استخدامه أيضا للحد من ضغوط رفع أسعار الصرف وتجنب المرض الهولندي. ويحد تحويل جزء من إيرادات النفط خلال الطفرات المالية إلى صندوق سيادي من التوسع النقدي والمالي المبالغ فيه الذي يضغط على القطاعات الإنتاجية، ويتسبب في رفع الأسعار. ويساعد وجود الصندوق في كبح بعض الإدارات الحكومية والمسؤولين ومنعهم من تجاوز خطط الإنفاق والإبقاء على مستويات الإنفاق عند مستويات قابلة للاستدامة. ويتطلب نجاح الصناديق السيادية عدة شروط لعل من أهمها وجود ميل ادخاري لدى المجتمع والحكومة، وتفهم المجتمع والإدارات الحكومية لأهمية استدامة الثروة النفطية، وأحقية الأجيال القادمة في الحصول على منافعها. كما يتطلب نجاح الصناديق السيادية في أداء مهامها وجود إدارات استثمارية كفؤة ومحترفة وبعيدة عن متناول الموظفين الحكوميين هواة الاستثمار، الذين لا هم لهم إلا الحصول على المكافآت أو تمثيل هذه الصناديق للحصول على المنافع المالية. كما يتطلب نجاح الصناديق السيادية استقلالية هذه الصناديق ووجود أنظمة واضحة وسليمة للتدفقات المالية لهذه الصناديق، ومستوى أدنى من الشفافية والرقابة المالية الرزينة، لضمان عدم التلاعب بموجوداتها. ويوجد عديد من المخاطر المؤثرة في أداء الصناديق السيادية واستثماراتها الخارجية، لعل أبرزها عرضتها لمخاطر تقلبات العملة، ومعدلات الفائدة، والتقلبات والفقاعات الاقتصادية العالمية. وقد تتعرض الاستثمارات الخارجية إلى مخاطر تقلبات السياسات الخارجية التي قد تؤدي إلى تجميدها أو مصادرتها أو رفع قضايا على الصناديق والدول المالكة لها.
وتناولت دراسة نماذج المستثمر السيادي الصادرة عن مركزي سياسات التنمية العالمية، وبليفر التابعين لجامعة هارفارد الأمريكية سياسات ومؤسسات إدارة الثروة السيادية. وكان المساهم الرئيس في الدراسة أحد الكفاءات السعودية وهو الدكتور خالد السويلم. ويجب في هذا المقام الإشادة بالدكتور وأمثاله الذين يبذلون جهودا مشكورة في إصدار دراسات جدية ونافعة لهذه البلاد، وبغض النظر عن الوجهات التي قد تختلف عما يراه بعضنا سليما أو أقرب إلى الصواب. وتشجع الدراسة إنشاء صندوقين سياديين في المملكة من أجل الاستقرار المالي ومن أجل الاستثمار وتوفير عوائد مستقبلية. وتبرز الدراسة تزايد احتياجات الدولة للإيرادات لمواجهة الإرتفاع المتوقع للإنفاق الحكومي خلال العقود المقبلة.
ومع كل الإيجابيات التي في الدراسة إلا أنها استخدمت بيانات إيرادات نفطية تاريخية غير دقيقة، حيث ورد فيها بلوغ الإيرادات النفطية لعامي 2010، 2011 نحو 324.9، 208.9 مليار دولار على التوالي. وتشير بيانات مؤسسة النقد إلى أن إيرادات هذين العامين بلغت 275.8, 178.7 مليار دولار على التوالي، ويسري نفس التحليل على إيرادات باقي الأعوام. وبهذا بالغت الدراسة في قيم الإيرادات النفطية التي كان بالإمكان تحصيلها في السابق، ما يؤثر سلبا في صحة بيانات واستنتاجات الدراسة. واقترحت الدراسة إنشاء صندوقين سياديين لمواجهة احتياجات الإنفاق المالي المستقبلي، ومن أجل ذلك افترضت الدراسة وجود أرصدة أجنبية تصل إلى 900 مليون دولار في صندوقي الاستقرار والادخار المقترحين في عام 2014، وهذا الأمر لم يتحقق. حيث بلغ إجمالي الموجودات الأجنبية 724 مليار دولار في نهاية 2014. وتكرر الدراسة الخطأ الشائع بأن كل الأصول الأجنبية تعود لإيداعات وزارة المالية أو الحكومة المركزية، فجزء كبير من هذه الموجودات يستخدم لتغطية إصدار العملة، وجزء آخر يعود لإيداعات مؤسسات التقاعد وبعض صناديق التنمية وإيداعات المصارف التجارية. ويصعب وضع هذه الإيداعات والمخصصات إلا في استثمارات عالية السيولة والأمان، وهو ما يتم بالفعل. وقد بلغ إجمالي إيداعات الحكومة عند نهاية عام 2014 نحو 376.6 مليار دولار. ويستخدم جزء منه لتسيير شؤون الحكومة الجارية وجزء آخر للصرف على مشاريع معينة. ولا يمكن وضع جزء كبير من إيداعات الحكومة إلا في وسائل عالية الأمان والسيولة وهو ما تقوم به المؤسسة على كل حال وإن كانت لا تسميه صندوقا سياديا، لكنه صندوق سيادي عالي السيولة ويستخدم من أجل الاستقرار المالي، وعوائده منخفضة بسبب انخفاض معدلات الفائدة. ولهذا فإن افتراض وجود 900 مليار دولار في نموذج الدراسة في عام 2014 افتراض غير دقيق ومبالغ فيه.
وقد أدى تراجع أسعار النفط إلى خلخلة معظم فرضيات الدراسة، حيث افترضت الدراسة ارتفاعا مستمرا في أسعار النفط والإيرادات النفطية وهذا ما لم يتحقق. ونتيجةً لهذا افترضت الدراسة أن يبلغ متوسط الإيرادات النفطية بالأسعار الحقيقية 270 مليار دولار في العام خلال العقود المقبلة مع تأرجح بنسبة 40 في المائة. وهذا المستوى من الإيرادات لم يتحقق إلا في سنوات استثنائية جدا، كما أن من المتوقع أن تتراجع الإيرادات هذا العام بنسبة تفوق نسبة التأرجح القصوى المسموح بها في الدراسة، ومن المستبعد ارتفاعها في السنوات القليلة المقبلة. ويضاف إلى الافتراضات التي لا تبدو عملية في النموذج المقترح، افتراضات النمو في الإنفاق الحكومي المستقبلي. وتبدو المعدلات المفترضة في الدراسة منخفضة وتقل عن معدلات النمو السكاني المستقبلي، وهذا صعب المنال.
لقد أدى تراجع أسعار النفط إلى نسف معظم فرضيات الدراسة، ولهذا ستتأجل مناقشة إنشاء صندوق سيادي في المملكة حتى تعاود أسعار النفط الارتفاع فوق مستويات 100 دولار، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي. وتواجه المالية العامة حاليا تحديات قوية تتمثل في عودة العجوزات المالية المرتفعة إلى الظهور، التي ستقود مع مرور الوقت إلى تآكل الاحتياطات الحالية وعودة الاقتراض الحكومي. وسنكون محظوظين جدا لو حافظنا على الاحتياطات الحالية، ولهذا فإن ما نحتاج إليه الآن هو وضع الآليات المناسبة للحد من مستويات الإنفاق الحكومي، مع عدم الإضرار بالنمو الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي