لا مفاضلة مع الأزمات
الأفراد والمجتمعات يمرون بأزمات وظروف صعبة، فالأفراد قد تكون أزماتهم إما صحية وإما مالية أو أسرية أو وظيفية، وكذلك المجتمعات قد تكون أزماتها أمنية، أو اقتصادية أو صحية خاصة إذا انتشر المرض، وأصبح يشكل تهديدا لقطاع كبير في المجتمع، ويذكر التاريخ في بلدنا شيئا من ذلك، حيث يؤرخ بسنة انتشر فيها مرض قاتل فتك بالكثير من الناس، ويطلق على تلك السنة "سنة الصخنة" أو "سنة الرحمة".
في تاريخنا الإسلامي مر أسلافنا بأزمات شديدة، من أبرزها ما يعرف بعام الرمادة، حيث أصيب مجتمع الجزيرة في عهد عمر بن الخطاب بقحط وجدب شديدين، اضطر الناس خلاله إلى الهجرة إلى عاصمة الدولة المدينة المنورة بحثا عن مصادر رزق أو مساعدات تقدمها الدولة لهم، وقد عانى الناس في ذلك العام، وبلغوا من اللأواء الشيء الكثير، لكن الأزمة لم يقتصر أثرها على عامة الناس، بل طالت القيادة، حيث فرضت الأزمة آثارها على القائد حتى أصبحت جزءا من تفكيره، وسيطرت على مشاعره، والإجراءات التي اتخذها لتجاوز الأزمة لتمر الأمة بسلام، حتى إن هذه الإجراءات طالت عمر وأهل بيته، ولم يستثن نفسه بصفته قائد الأمة، بل عاش كما عاش الناس حتى قال كلمته المشهورة "تقرقر تقرقرك أنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس".
الأزمات قد تكون مؤقتة وعابرة كما يحدث في حالات الكوارث الطبيعية كالزلازل أو البراكين أو الفيضانات، أو قد تكون أزمات مزمنة تستمر فترات طويلة كما في حالة الأزمات الأمنية التي قد يصاب بها بعض المجتمعات كما في الصومال التي تجاوزت أزمتها 20 عاما، لكن هناك أزمات من نوع آخر قد تستمر قرونا، وهذا النوع في الغالب تكون له جذور فكرية تغذيه، وتجعل من عمره طويلا؛ حيث يتوارثه الأبناء عن الآباء حتى يتحول إلى أمر مقدس يدعم بنظريات، ونصوص دينية، وهذا ما يلاحظ في بعض المجتمعات المنقسمة إثنيا، إما لأسباب دينية وإما لأسباب عرقية.
العالمان العربي والإسلامي يعانيان كثيرا هذا النوع من الأزمات التي عاشتها أجيال طالها الكثير من الضرر في أمنها، ومعاشها وسلمها الاجتماعي؛ حتى أصبحت حالة الاحتراب بين المكونات الاجتماعية سمة ملازمة لهذه المجتمعات عبر العصور.
كيف نتعامل مع الأزمة مهما كانت عابرة، أو كارثية ومزمنة؟ في اعتقادي أن إدراك وجود أزمة يمثل الخطوة الرئيسة لتجاوز الأزمة، وعندما نقول إدراكا نعني القائد وكل من يعنيهم الأمر، كأن تكون هناك أزمة مياه أو أزمة مرور، فالجهات ذات العلاقة عليها مباشرة الأزمة والبحث عن حلول، وما إلى ذلك، إلا أن الأزمات الكبيرة تحتاج إلى وعي اجتماعي يشمل كل قطاعات المجتمع ليتمكن المجتمع من تجاوز الأزمة، وإذا كانت الأزمة من النوع الذي يتأثر بالفكر ففي هذه الحالة تكون مسؤولية المفكرين وذوي الرأي جسيمة، إذ إن تجاوز الأزمة وإيجاد حل لها لا يتحقق إلا من خلال الجذور التي أوجدتها، فالقناعات الفكرية تحل بفكر آخر يكشف زيف الفكر الذي تسبب في الأزمة أو كشف التناقضات التي تعتريها.
الإدراك وحده لا يكفي؛ إذ لا بد للقائد أن يعيش الأزمة بنفسه، وما لم يكن جزءا ممن يمرون بها فلن يتمكن من حلها، فوجوده داخلها يحدث لديه الشعور بها، والشعور بدوره يحفز الفكر ليولد الإبداع، ومن ثم القرارات الصائبة التي تسهم في حل الأزمة، وتجاوزها. من أبرز الأمثلة قبل سنوات قليلة عندما حدث الفيضان في مدينة نيويورك، حاصرت المياه عجوزا في منزلها، وكان عمدة المدينة ممن أسهموا في إنقاذها، فمنصبه لم يمنعه من النزول إلى الميدان ليرى الوضع على طبيعته بدلا من الاعتماد على التقارير التي يعتريها النقص أو الغموض، وليشعر بمعاناة الناس، ويسهم في إيجاد الحلول لهم.
من الإجراءات الواجب أخذها في الحسبان للتعامل مع الأزمة شعور الجميع بأنهم سواسية في مواجهة الأزمة، وعدم وجود تفضيل لأناس على آخرين، بل يكون المحك الحاجة، وهذا ما لا يتحقق في بعض الأحيان، إذ تنقل الفضائيات من مناطق الأزمات تذمر البعض من عدم وصول المساعدات الطبية أو الغذائية، كما في حالة مسلمي الروهينجيا أو سورية واليمن.