ليس منا من يفرقنا
فَرِّق تَسد ـــ بحسب ويكيبيديا -هو مصطلح سياسي عسكري اقتصادي الأصل اللاتيني له divide et impera. ويعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة وهي غير متحدة مع بعضها بعضا مما يسهل التعامل معها.
يتم تفريق الشعوب من خلال إثارة الفتنة الطائفية والتحريض على العنصرية ونشر روح الانتقام بين الطوائف والطبقات المكونة للشعوب، وإشعال حروب داخلية وخارجية تنتهى بإنهاك قوى الأطراف كافة ليكون الكيان ضعيفا يمكن السيطرة عليه لنهب خيراته أو تفكيكه.
وفي الأثر عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنه قال: "الجماعة رحمة، والفرقة عذاب" والفرقة تختلف عن الاختلاف في الرأي أو المعتقد أو اللون أو العرق. الدول المتحضرة تنظر للاختلاف كونه تنوعا يولد التدافع والتحدي في حدوده المقبولة المولدة للإبداع والمحفزة للنمو. في الاختلاف في الرأي رحمة لأنه من المستحيل حمل الناس على رأي واحد، وفي الاختلاف رياضة للأذهان وتلاقح للأفكار، كما أنه يفتح مجالات للتفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها. الاختلاف قد يؤدي إلى الفرقة والصراع متى ما أوقدت تحته نار الفتنة أطرافا داخلية أو خارجية لتحقيق أجنداتها.
بلادنا، كمثل بقية بلدان العالم، تتميز بالتنوع العرقي والثقافي والطائفي، تعايش شعبها لسنوات طويلة ولا يزال بفضل من الله ثم جهود وحنكة قادة البلاد ـــ حفظهم الله ــــ في سلم اجتماعي، ولم تستطع دولة خارجية اختراق المجتمع وتفكيكه طوال السنوات الماضية، حيث عملت الدولة جاهدة على معاملة المواطنين كافة على أساس المواطنة رغم دعوات بعض المتطرفين من الداخل، ورغم إفرازات الحروب والفتن التي حدثت في المنطقة ومحاولات بعض الدول كالجمهورية الإيرانية النفاذ لأبناء الطائفة الشيعية ودعوتهم للتمرد على السلطة والخروج عليها بدعوى المظلومية، رغم أن إيران تعامل أبناء الطائفة الشيعية من أعراق غير فارسية كعرب الأحواز وأبناء الأقاليم الأذرية معاملة المواطنين من الدرجة الثانية مقارنة بالمواطن الإيراني من أصل فارسي.
بلادنا تعرَّض مواطنوها من السنة والشيعة وفي أكثر من منطقة لأعمال إرهابية من متطرفين من الطائفتين لأسباب متعددة، ووقفت لهم الدولة بجميع أجهزتها بالمرصاد وأبطلت مخططاتهم ومؤامراتهم بغض النظر عن طائفتهم، وأفشلت مشاريع التفرقة، وحافظت على السلم الأهلي والاستقرار، وحققت أعلى معدلات التنمية في جميع المجالات وفي جميع المناطق، وتحقق العيش الآمن الكريم لجميع المواطنين في جميع المناطق التي أوصلت لها الدولة الخدمات التعليمية والصحية وخدمات البنى التحتية والعلوية دون تمييز خصوصا في سنوات الطفرة الاقتصادية الأخيرة التي ما زلنا نعيشها بفضل الله.
تمكنت بلادنا من الحفاظ على الاستقرار والتنمية في أجواء ملبدة بالمشكلات فشلت في ظروفها الكثير من الدول العربية في المحافظة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية في إطار المواطنة، حيث اشتعلت الحروب بين أطياف المجتمع وتدمرت بناها التحتية والعلوية، وتوقفت برامجها التنموية بجميع أشكالها وصورها نتيجة القمع والذلة التي تعرضت لها شعوب هذه الدول، أو بسبب انحياز حكومات هذه الدول لطائفة على حساب أخرى، أو بسبب تمكن بعض الدول الخارجية من تمرير أجندتها وتحقيق أهدافها في تفرقة أبناء الوطن الواحد عبر تكوين الميليشيات الطائفية ودعمها بالمال والعتاد، أو بسبب خليط من هذه الأسباب.
بطبيعة الحال ونتيجة للصراعات الدولية والأجندات الخفية للدول الكبرى وللدول التي تدور في فلكها وتتطلع للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط لتتمكن من تحقيق أجنداتها في إطار أجندات الدول الكبرى، فإن بلادنا تعرضت لكثير من الأعمال الإرهابية وانتشرت بداخلها نسبة من المتطرفين من جميع الطوائف والاتجاهات الفكرية الذين يؤججون الفتن ويدعون للاحتراب بهدف إقصاء المكونات الأخرى المخالفة لهم في الطائفة أو الفكر أو الرأي، أو بهدف زعزعة الأمن والاستقرار لمصلحة مخططات أجنبية تورطوا بالتعامل معها، ولكن استطاعت حكومتنا الرشيدة بسياساتها وقوتها وبفضل الله وتماسك المجتمع، تجاوز كل هذه المشكلات والمحافظة على السلم الاجتماعي والاستقرار وتنفيذ برامجها التنموية في أنحاء البلاد كافة.
وبكل تأكيد لن تقف الأعمال الإرهابية هنا وهناك من قبل المنظمات الإرهابية كداعش والقاعدة والميليشيات التابعة للمخطط الإيراني في المنطقة رغم الجهود الهائلة التي تبذلها جميع الأجهزة المعنية خصوصا الأجهزة الأمنية التي حدت من الكثير من الأعمال الإرهابية والصراعات الفكرية التي قد تفضي إلى صراعات مادية بشكل كبير. المطلوب من جميع أفراد المجتمع على وجه العموم، ومن مثقفيه وصناع الرأي فيه، مساندة الدولة في تهدئة الأوضاع وتفويت الفرصة على أصحاب الأجندات من الداخل والخارج لوقوع أي عمل إرهابي، وهذا يتطلب منهم وعيا كبيرا بالظرف وما يناسبه من القول وإلا فقد يلعبون دورا سلبيا ويخدمون أعداء البلاد من حيث لا يشعرون.
"داعش" المشبوهة المدعومة من دول معادية للسعودية نفذت إحدى خلاياها من صغار السن المغرر بهم، حادثة القديح كما قتلت الشهيد الغامدي، لا تفرق بين سني وشيعي فهدفها تمزيق الوطن وتفتيته وإضعاف وحدته ليصبح كالبلدان العربية المفتتة، ولذلك علينا أن ننتبه لكل حرف نكتبه لكيلا نساهم في خدمة مخططاتهم، وعلينا مساندة الدولة فكريا، كما نشكر الجهود التي بذلتها الجهات الأمنية للكشف بسرعة عن المتورطين في هذا الحادث الأليم.
ختاما أتطلع إلى أن يكتب الجميع من خلال أي وسيلة متاحة ما يؤكد أن مثل هذه الأحداث لا تزيدنا إلا قوة وتلاحما والقدرة على التفاهم والتعاون والتعايش، وتعزز وحدة بلادنا وأمنها واستقرارها ومواصلتها مسيرة التنمية التي لم تستثن منطقة أو مواطنا لأي سبب كان، فالجميع مواطنون وسواسية أمام الفرص والقانون، وعلينا أن نتجاوز خلافاتنا الفكرية مهما كانت في هذه الظروف لأجل الوطن والأبناء والأحفاد، فليس منا من يفرقنا خصوصا في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة.