البيت العربي.. ما بين التضامن والتفكك! (2 من 2)

استكمالا للإجابة عن التساؤل الذي طرح في مقال الأسبوع الماضي حول أسباب ضعف الانتماء العربي، الذي يهدد بتفكك منظومة الدول العربية وضياع الهوية العربية، على الرغم من وحدة اللغة، والدين، والتاريخ المشترك، علاوة على الموقع الجغرافي المتميز، الذي يحتله الوطن العربي، والموارد الطبيعية الوافرة التي حباه الله بها، والمواقع الأثرية الجذابة، ورأس المال البشري الكبير. نعم على الرغم من ذلك كله، لم يحقق مكانة متقدمة في الإسهامات العلمية أو الإنتاج الصناعي، أو التجارة الدولية، ولا يتمتع بنفوذ وتأثير عالمي على مستوى السياسة والثقافة، ولا ينعم بالاستقرار والأمن، بل استمر في وضع "المفعول به"، مع تدهور ملحوظ خلال السنوات الماضية، وذلك لعدم وجود وحدة في موقفه ولا تكامل في تعاملاته الاقتصادية. وأزيد بالقول بأن دول العالم من حولنا تتكتل وتتوحد، والدول العربية تتفكك وتتباعد!
إضافة إلى ما ذكر في مقالة الأسبوع الماضي حول أسباب ضعف الانتماء العربي وتلاشي معالم الهوية العربية كغياب العدالة الاجتماعية، وفشل جامعة الدول العربية في بناء جسور ثقافية واجتماعية واقتصادية متينة، وتدهور الإعلام العربي، وتعدد الانتماءات مع غياب التناغم والتوافق فيما بينها كالقبيلة والعشيرة والإقليم والدولة والعروبة والإسلام، يمكن إضافة الأمور التالية:
أولا: التقارب العربي وتعزيز الانتماء لا يأتي بالتلقين، والقرارات العاطفية، والقبلات "الحارة" التي اعتاد عليها بعض العرب، ولكن بالإحساس الحقيقي القائم على العمل المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي الحكيم الذي يبدأ بالجوانب الثقافية والعلمية، ثم الاقتصادية، وبعد ذلك السياسية، ويتعمق في النفوس من خلال الممارسة والإنجازات، وليس الخطب الرنانة التي تخفي وراءها مصالح شخصية أو حزبية أو طائفية. وهذا فشل آخر يضاف – جزئيا - إلى سجل جامعة الدول العربية!
ثانيا: التشدد الديني والانتماء لكيانات خارجية خارج نطاق الدول العربية، ما أثار الفرقة والعداء بين أبناء الشعب الواحد، ومن ثم أضعف اللحمة الوطنية في بعض الدول، ومهد الطريق لتغلل التدخل الخارجي وتحقيق مصالح وأجندات لا تخدم الدول العربية ولا تسهم في تقاربها.
ثالثا: ضعف احترام الحقوق الشخصية وانتهاكها في بعض الأحيان، ما يضعف الانتماء للمجتمع، ويزيد من غربة المواطن في بلده، ومن ثم يؤدي إلى هجرة أصحاب العقول المبدعة إلى دول أخرى تصون الحقوق الشخصية وتوفر البيئة المحفزة للإبداع العلمي.
رابعا: غياب الدراسات التشخيصية والتقويمية الجادة لمستوى أداء للمؤسسات العربية المشتركة، بما لا يتيح تحديث الخطط والمبادرات، بما يخدم المصالح العربية العليا.
في الختام، إن بناء البيت العربي من جديد، وتحقيق ازدهار اقتصادي، وتعزيز مكانة العرب على المستوى الدولي، يتطلب – بإلحاح - إعادة صياغة مفهوم "العروبة" والانتماء العربي في مشروع عربي جديد تحت اسم "التضامن العربي"، ووفق أطر ومعايير عامة ومتفق عليها، تسعى جميع الدول لتحقيقها والوصول إليها بمساعدة جامعة الدول العربية، وينبغي أن يستفيد مشروع "التضامن العربي" من تجارب وممارسات الماضي، فيتفادى السلبي، ويتبنى الإيجابي، بما لا يتعارض مع الدين، فالسقطة الكبيرة التي وقع بها بعض دعاة القومية العربية هي معاداة المكون الأساسي للثقافة العربية، فالإسلام رفعة للعرب (كنتم خير أمة أخرجت للناس). والانتماء العربي لا يتعارض مع الدين مطلقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي