هل إيران تكتيكية أم استراتيجية؟
في علم السياسة كما عالم الأعمال، "التكتيك" هو كسب معركة وقتية، بينما "الاستراتيجية" هي كسب الحرب. والاستراتيجيات السياسية طويلة المدى لا تتغير إلا فيما ندر، لكن التكتيكات مشاريع قصيرة المدى تتغير من خلال الأدوات والأشخاص والتوقيت أيضا. الفرق في المعنى الدلالي بين التكتيك والاستراتيجية دقيق جدا. ولنجاح أي استراتيجية لا بد أن تكون هناك تكتيكات جيدة للوصول إلى الهدف الأساسي "الاستراتيجية". قد يكون للجميع استراتيجيات كبرى قد تدمرها التكتيكات السيئة. في أفغانستان، كانت أمريكا تتمتع بذكاء وهيمنة جعلاها تنجح في معاركها العسكرية. هكذا كانت التكتيكات الصغيرة، لكنها كاستراتيجية ليست سوى مستنقع تاريخي ضحل. تماما مثل الشركات التي تبدأ بذكاء تسويقي يبدو رابحا، لكنها تتراجع سريعا لأنها لا تواكب المتغيرات الحقيقية فتتهاوى مع أول انهيار اقتصادي. ربح المعارك لا يعني ربح الحرب. وما تقوم به إيران هي أفعال تكتيكية جعلتها تربح بعض المعارك الصغيرة في المنطقة من أجل استراتيجية أكبر، لكن لا مؤشرات تدل على أنها تربح الحرب. وتمييز هذا الفرق سيبدو جليا لاحقا لا سيما بعد الاتفاق النووي، إضافة إلى متغيرات الوضعين السوري واليمني بشكل خاص ومن ثم اللبناني والعراقي.
ربما نتفق على أن الداخل الإيراني هو نقطة مهمة ربما أهم من مشاريعها. لا يمكن أن ننكر أن الإيرانيين أحد الشعوب الأكثر انفتاحا في المنطقة في الوقت الحالي، وإضافة إلى نسبة التعليم والتطور والرغبة في التحديث السياسي والتمرد الكامن في شبابها، فإن قابليتهم للتغيير والحداثة والانفتاح على الغرب أكبر بكثير من أي دولة أخرى في المنطقة أيضا. وهذه عوامل مهمة تفوق مسألة التوازن العسكري التي لا يمكن أن تنافس فيه إيران، حتى الآن على الأقل. ولا يبدو المشروع النووي الإيراني سوى مثل فزاعة الحديقة. قد ترفع العقوبات تدريجيا عن إيران، لكن نظرة سريعة على التوازن العسكري في المنطقة تدل على أنها متضائلة عسكريا مقارنة بالسعودية والخليج. ووفقا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، السعودية وحدها تنفق أكثر من خمسة أضعاف ما تنفقه إيران. هذا إضافة إلى المشاريع والصفقات العسكرية المحتملة القادمة.
وفي الوقت الذي تأمل الولايات المتحدة أن تمارس بعض الضغوط على دول الخليج للقبول بالاتفاق الإيراني من خلال قمة كامب ديفيد، وربما باستغلال تباين الآراء بين دول الخليج نفسها تجاه الأمر حيال بعض القضايا، كانت دول الخليج بقيادة السعودية قد سعت إلى ما قد نسميه سياسة قلب الطاولة بمحاولة توحيد الرأي، من خلال القمة الخليجية الاستثنائية التشاورية الأخيرة. قد تسعى كل من دول الخليج وأمريكا من خلال القمة إلى تعزيز الروابط معا بدلا من تعميق الخلاف، لكن هناك ضرائب لا بد أن تدفع لا سيما من قبل أمريكا نفسها. السؤال: من يربح المعركة؟ ومن يربح الحرب؟ وهل من الممكن أن تنتهي بصيغة إيجابية بين الأطراف في المنطقة؟ والسؤال الأهم: هل ما تقوم به السعودية ودول الخليج في المنطقة في مقابل التهديد الإيراني تكتيك هو الآخر أم استراتيجية حقيقية؟. الكثير من الأجوبة سيكون أكثر وضوحا مع نتائج قمة كامب ديفيد وما يتبعها.