«العاصفة».. دروس من أحداث الطائرة
ذكرت عدة وسائل إعلام في السادس من شهر مايو الحالي، نقلا عن صحيفة يديعوت أحرنوت (الإسرائيلية) خبر نزول طائرة تحمل شعار "الخطوط السعودية" في مطار بن جوريون. ونقلا عن الصحيفة نفسها، الطائرة من نوع "إيرباص أيه 330-300" وقدمت من بروكسل عاصمة بلجيكا، وليس فيها إلا طاقمها فقط، وقد أثارت استغراب العاملين في المطار، خاصة أن السعودية لا تعترف بدولة إسرائيل، وليس بينهما أي علاقات سياسية أو اقتصادية. وذكر المتحدث باسم مطار بن جوريون أن الطائرة ليست سعودية، إنما تابعة لشركة أوروبية، ومستأجَرَة من "الخطوط السعودية"، وهبطت في إسرائيل وفقاً لطلب الشركة الأوروبية، التي طلبت إجراء أعمال الصيانة والإصلاحات الروتينية.
قرأت خبر نزول الطائرة أول مرة عبر وسائل اتصال اجتماعي، مساء الأربعاء 6 مايو من حساب مشترك، نقلا عن حساب مشترك آخر، وكلاهما من المؤيدين بشدة للحوثيين وللساسة والحكومتين الإيرانية والسورية ولما يسمى حزب الله، ويشابهونهم في المبادئ، استنتاجا من كتاباتهم وتعليقاتهم. نشر كلاهما فقط أول الخبر الوارد في الصحيفة الإسرائيلية، أقصد خبر نزول طائرة سعودية. أما بقية الخبر كسبب نزولها ومن طلب نزولها ورد فعل موظفي المطار فإنها لم ينشرا عنها شيئا.
أما تعليقهما على الخبر فقد أخذ وبقوة صورة تهكمات قوية على المملكة العربية السعودية وحكومتها، وأخذا يردحان شتما وسبا. دار بيننا حوار قصير. قلت لهما هلا أكملتما ما قالته الصحيفة؟ هل لديكما الشجاعة أن تطبقا قوله -تعالى- "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"؟
بدلا من الإجابة عن السؤال، ذهب أحدهما يهاجم التحالف وقرار الحرب. فأجبته "سألتك سؤالا محددا، فلم تجب عنه، بل غيرت الموضوع. لا يمكن أن نتناقش بهذه الطريقة. مع السلامة.
التذاكي سمة في أولئك القوم. وأقصد بذلك الحديث مع آخر بطريقة فيها لف ودوران وتلاعب أو تغيير للموضوع، كما لو أن الآخر أقل ذكاء وفهما. أكد هذه السمة بعض أعضاء وفود التفاوض الغربي (ما يسمى مجموعة 1+5) مع إيران في موضوع النووي. صرح بعض أعضاء الوفود بأن الوفد الإيراني يحاول التذاكي عليهم أثناء المفاوضات.
ورجوعا إلى موضوعنا، يعرف القراء أن "الخطوط السعودية" نفت بعد ظهور الخبر بساعات نزول أي من طائراتها في المطار المذكور. ثم صدر خبر من "الخطوط السعودية" خلاصته أن الطائرة موضع النقاش مملوكة للشركة الأوروبية "هاي فلاي"، وأن السعودية ألغت العقد الموقع مع شركة هاي فلاي. وأساس الإلغاء مخالفتها الصريحة بنود العقد الموقع بينهما، وتحديدا الفقرة السابعة من البند الثامن للعقد، التي تنص على التزام شركة "هاي فلاي" بأخذ موافقة خطية من "الخطوط السعودية" على المطارات التي تهبط فيها، أو تجري فيها عمليات الصيانة الدورية، وأن تكون في دول تربطها علاقات دبلوماسية بالمملكة العربية السعودية.
ما أهم الدروس المستفادة من واقعة الطائرة؟
أول درس وجوب التثبت من صحة الأخبار، قبل نقلها أو التعليق عليها، وثاني درس النزاهة والعدالة في الشهادة أي في نقلها وروايتها، بغض النظر عن حبنا أو كرهنا للطرف المعني بالخبر. وهذا مضمون قوله تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى". والشنآن البغض والكراهية.
واقعا، أصحاب الأهواء لا يتثبتون ولا يعدلون وللنزاهة معادون. عرف عنهم عبر التاريخ الكذب والزيادة والنقصان والنقل المبتور والتبرير لما يفعلونه. وعرف عنهم التذاكي في نقل وفهم وتفسير الوقائع. من كان يشك فقد أثبتت حوادث أيامنا له ذلك، عبر وسائل الإعلام وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها ما قصصته آنفا. وكلها في اتجاه تأكيد ما قيل عن أصحاب الأهواء عبر القرون.
نعرف ما قيل من سوء عن كثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما قيل عن زوجاته وبخاصة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-. هي على شاكلة ما نراه في عصرنا من أخبار تملؤها أو تختلط بها الأكاذيب أو التحريفات، وتجد من يدافع عنها أو يؤمن بها دون تثبت وتبين اتباعا لهواه. بل اتباع الهوى في نقل وتفسير ما حدث في الماضي أشد وأسوأ، نظرا لأن التثبت والتحري أصعب، لبدائية وسائل الاتصال وانعدام التقنية ونحو ذلك.
وزيادة في التوضيح، الكلام ليس عن زيادة أو نقص لسهو أو خطأ أو نسيان، فهذا جل من لا يقع فيه، حتى ولو كان من أعلم وأتقى الناس، بل الكلام عن تعمد ومنهجية في الكذب والتحريف والزيادة والنقص والتساهل في نقل ورواية الأخبار وتفسيرها اتباعا للهوى.