البيت العربي .. ما بين التضامن والتفكك (1من 2)
تشهد الدول العربية تفككاً وقلاقل ومحنا لم يدر بخلد أي محلل سياسي - مهما بلغ من الفطنة والعبقرية والذكاء - قبل عقد من الزمن أن يتنبأ بأن هذه الدول ستؤول إلى ما آلت إليه في الوقت الحاضر، أو أنها ستتدهور أوضاعها إلى هذا المستوى من الفوضى السياسية، والتقهقر في مستويات المعيشة، وغياب الأمن، وضياع الهوية، وفقدان بوصلة العقل والحكمة! يمكن القبول بأن التحول السياسي يستغرق بعض الوقت، ويتطلب (بل قد يُحتم) بعض التضحيات المؤلمة وربما الكبيرة قياساً على التجارب الدولية، لكن لم يكن متوقعاً أن يضعف الانتماء العربي أو يتهاوى بعد عقود من البناء ومحاولات تقوية مشاعر الانتماء بين أفراد المجتمع العربي وتعزيز هويته الثقافية، ومحاولة تنمية موارده البشرية والاقتصادية، وتقوية أواصر العلاقات بين وحداته المكانية من خلال منظمات متعددة على رأسها جامعة الدول العربية. ومن البديهي القول إن الدول العربية ستتفكك وستضعف ولن تكون لها كلمة مسموعة على الصعيد العالمي دون توحيد الصف وتعزيز الانتماء والتقارب العربي.
ولكن السؤال: هل من المعقول أن تمسح عوادي الدهر وعبث العابثين جهود عقود من البناء بعد غرس الأحلام الجميلة في نفوس الناشئة وتشجيعهم على ترديدها كل صباح من الخليج إلى المحيط ضمن أناشيدهم الصباحية مثل "بلاد العرب أوطاني"؟ وفي الذهن تبرز تساؤلات كثيرة، منها: ما أسباب ضعف الانتماء؟ أو ما المسائل التي تُضعف الانتماء على مستوى كل دولة وعلى مستوى الوطن العربي؟ وما أسباب شعور المواطن العربي بغربة في بلاده؟
أولاً: غياب العدالة الاجتماعية قد يكون مهما على مستوى الدولة الواحدة، ولكن هل يمكن أن يكون له تأثير على مستوى الدول العربية؟ ربما يكون عدم التجانس في مستويات المعيشة سبباً في وجود بعض المشاعر السلبية. ولكن من المفترض أن يكون عدم التجانس الاقتصادي بين الدول مدعاة للحاجة إلى التكامل فيما بينها.
ثانياً: هل فشلت جامعة الدول العربية في تعزيز العمل المشترك الناجح في المجالات التعليمية والثقافية والاقتصادية والسياسية؟ الإجابة: نعم، فشلت في بناء جسور ثقافية، وفشلت في بناء تنسيق وتواصل ناجح بين وزارة التعليم لبناء مقررات مشتركة، وفشلت في تنظيم فعاليات ثقافية تخدم التقارب والانتماء العربي، وفشلت في تعزيز التكامل الاقتصادي العربي، وفشلت .. وفشلت.. ولكن ما أسباب الفشل؟ أعتقد أن العاملين في هذه المؤسسة "العجوز" أعرف بالأسباب الظاهرة والضمنية.
ثالثاً: تدهور الإعلام العربي وانخفاض مستوى المهنية لدرجة "محزنة" للأصدقاء و"مفرحة" للأعداء، فأصبح معول هدم ووسيلة فرقة بين العرب، بدلاً من أن يكون أداة للتقارب ورص الصفوف، وما نشاهده على بعض الفضائيات خير دليل، ولا أريد الزيادة في القول، فأكون واحداً من هؤلاء الإعلاميين العرب "الطواويس"!
رابعاً: تعدد الانتماءات للمواطن العربي، علاوة على التناقض فيما بينها في الأهداف والغايات، فهناك الانتماء للقبيلة أو العشيرة والجماعة، والانتماء للإقليم الجغرافي، والانتماء للطائفة الدينية، والانتماء للدولة، والانتماء للوطن العربي، والانتماء للأمة الإسلامية، والانتماء لبعض الكيانات مثل المجموعة الفرانكفونية! ويزداد الطين بلة أن مناقشة التناقض بين هذه الانتماءات يُعد محظوراً أو "تابو" في بعض الدول العربية!
وسوف نواصل الحديث عن هذا الموضوع في مقالة الأسبوع المقبل.