بيت الحكم السعودي
منذ البداية، كانت قرارات ترتيب بيت الحكم أهم قرارات ترقبها الشعب السعودي كما المنطقة والعالم، كون السعودية بطبيعة الحال عصبا حيويا على المستويين الإقليمي والدولي، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي والديني في آن معا. كل ذلك والمنطقة تمر بأزمات وظروف حساسة لم تحدث في تاريخها. وترتيب بيت الحكم السعودي كان محط تناول السياسيين والمحللين والإعلاميين في العالم لسنوات ماضية بشكل مكثف، كون التغييرات التي كانت منتظرة حتى ذلك الوقت هي الأكبر سياسيا في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، وهي حول مدى إمكانية انتقال الحكم بسلاسة إلى الأحفاد. وقد كانت قرارات الملك سلمان منذ الليلة الأولى في حكمه، وحتى قرارات البارحة تصب في المصلحة العليا للبلاد دون اعتبارات أخرى، ما يجعل مسألة الحسم تحظى بقبول شعبي كبير. ولا سيما أن مسألة القدرة على اتخاذ القرار مع الحزم في اتخاذه لها تأثير سياسي وسيكولوجي كبير لا يستهان به، وهذه النقطة تتعلق عادة بمسألة الثقة تجاه القائد.
كان توقع الأمير محمد بن نايف في منصبه الجديد واردا بقوة على ساحة التوقعات المحلية والخارجية، وذلك بالنظر إلى معايير عملية غير عاطفية، منها الكفاءة والخبرة والدور المحوري بطبيعة الحال. كما كان الأمير محمد بن سلمان هو الآخر متوقعا أخيرا، فهو إضافة لتمتعه بكاريزما رجل المرحلة الحالية منذ "عاصفة الحزم"، وخبراته الجديدة والسابقة يمكن تسميتها إعدادا حقيقيا مهما للمستقبل. في الحقيقة ما يجعل من كل ذلك محط تفاؤل هو مسألة "صناعة" حكومة شابة بما يتناسب والعصر الحالي كما المستقبل. ربما أعمق ما في الأمر من رسائل يمكن أن نستشفها أن هذه التغييرات المهمة في المشهد السعودي جاءت في وقت اعتقده الكثيرون حرجا لسرعة البت في قضايا داخلية بهذا المستوى، وهو الوقت الذي يتزامن والانشغال بأزمة اليمن والمنطقة. وفي ذلك إشارة إلى فصل الملفات دون الانشغال بقضايا خارجية عن الداخلية، سواء فيما يتعلق ببيت الحكم أو فيما يتعلق بجهاز الحكومة، أو حتى تغييرات وقرارات صارمة سبقت القرارات الملكية الأخيرة بأيام. لذا فما حدث لم يكن مفاجئا بشكل حرفي إلا ربما في توقيته.
ومن بين أهم ما في ذلك أيضا، بعد قبول طلب إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز، قبول طلب إعفاء الأمير سعود الفيصل لظروفه الصحية. وتغيير الفيصل ليس تغييرا عابرا ولا يمكن أن يكون كذلك في تاريخ السياسة السعودية. الفيصل مدرسة دبلوماسية وقامة دولية رفيعة، ولا يمكن أن نختلف في أن نسميه التغيير الأكبر في عمود الوزارات لعميد السياسة الخارجية لأربعة عقود. ومكانة الفيصل لا يمكن تعويضها بأي حال، وتبقى الأهمية في استمرار وجوده كـ"مشرف على الشؤون الخارجية". أما أبرز ما في التغيير الوزاري على مستوى الوزارات الخدمية فهو تعيين خالد الفالح رئيس أرامكو السعودية وزيرا للصحة. الفالح شخصية حاسمة وصلبة في إدارته وفي قراراته وهو ما يتلاءم ووضع الوزارة المعقد والمتعثر. لذا فالآمال كبيرة تقع على عاتقه، بقدر التحديات. حفظ الله المملكة.