رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العجز النفسي داء الأمة

لو قدر لأحدنا مراجعة ملف أي قضية من القضايا ذات العلاقة بالعالمين العربي، والإسلامي، وما أكثرها في الفترة الراهنة، وحاول فهم المسار الذي تأخذه، والطريقة التي يتم من خلالها التعامل الرسمي العربي معها لربما خرج بنتيجة مفجعة تنم عن خلل في طريقة التفكير، بل والتركيبة النفسية التي تجعل من التحرك العربي إزاء قضايا الأمة يأخذ منحى واحدا أشبه ما يكون بالمنحى المقولب الذي لا يمكنه أن يتغير، أو يتحول، ولو حدث هذا الشيء لأصبح بارزا، ومعلوما للجميع، ولتم استقباله بفرح، وحفاوة لا نظير لهما، كما حدث عندما فاجأت دول التحالف العالم في "عاصفة الحزم" التي شكلت منعطفا غريبا حتى أنه إن استمر زخمه قد يؤرخ به نظرا لأنه حدث في حقبة مظلمة من تاريخ أمتنا، وهو بهذا يشبه النور الذي يخرج فجأة في حلكة الظلام.
ومن أجل استنباط، ومعرفة الأساس الذي بموجبه جعل الموقف الرسمي العربي يأخذ مسارا واحدا لا بد من استعراض بعض الأمثلة على مواقف حقيقية، فعلى سبيل المثال لو أخذنا الوضع العربي بشأن الملف النووي الإيراني لوجدنا أن الروح السائدة خلال المفاوضات التي استمرت سنوات كانت بمنزلة الروح الخائفة المرعوبة، لكن في ذات الوقت عاجزة عن اتخاذ الإجراءات العملية التي تبدد الخوف، وتحوله إلى انتصار، ويمكن الاستشهاد بقرارات صدرت عن اجتماعات رسمية عدا التصريحات الفردية لوزراء خارجية ومسؤولين آخرين. في أحد اجتماعات وزراء خارجية دول الخليج أصدروا ترحيبا بالتطمينات الأمريكية حيال الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ويتسق مع هذا التصريح دعوة الجامعة العربية في أحد اجتماعاتها إلى مراعاة المصلحة العربية في الاتفاق النهائي بشأن الملف النووي الإيراني، و في كلتا الحالتين يتأكد الغياب العربي عن الساحة خاصة الساحة الإقليمية، إذ شأن إقليمي خطر على العالم العربي أكبر من خطورته على أي مكان آخر، ومع ذلك الحضور الأمريكي مؤثر وقوي، ويتعامل الأمريكيون كما لو أن البرنامج يهددهم مباشرة.
تأملت في مصطلح تطمينات، وتساءلت هل الحضور الأمريكي السياسي، والعسكري، والدبلوماسي من أجل عيوننا، وحرصا منهم على مصالحنا، أم أن الهدف استمرار نفوذهم، وحماية مصلحتهم؟ ولا أعتقد أن ذوي العيون الزرقاء والخضراء سنعنيهم بأي حال من الأحوال ليضحوا في أبنائهم، وسلاحهم من أجل حمايتنا، والمحافظة على أرواحنا، ولذا فإن مصلحتهم هي التي تقرر نوع المواقف التي يتخذونها، وأي الأطراف يقفون معها، وعليه فإن التطمينات تتبخر ولا يكون لها وجود متى ما كانت مصلتحهم مع إيران التي تعمل بصمت، وتمتلك القوة الرادعة.
أما الدعوة لمراعاة المصلحة العربية فهي أمر مضحك مبكٍ في ذات الوقت، فهل يتوقع الحمل الوديع أن تشفع له دموعه عند ذئب شرس لا يشعر بالشبع أبدا، ولو كنت أحد من حضروا الاجتماع لتحفظت عليه لأنه يغري الآخرين، ويشجعهم على التطاول لما يكشفه البيان من ضعف، واهتراء في منظومة العمل العربي ممثلا في الجامعة العربية، فالقوة أساسها قوة التفكير، وأصالته، ورزانته، وطريقة خطابة الآخرين.
أما لو أخذنا سورية، والمحنة التي يمر بها السوريون من قتل، وتدمير لممتلكاتهم بفعل نظام ظالم مستبد يتحرك بشهوة الهيمنة الطائفية البغيضة فإن الأمر أكثر حيرة، وحسرة في ذات الوقت، فكل ما صدر عن اجتماعات العرب، ولقاءاتهم تنم عن العجز المفرط، كما في دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، ودعوة أمريكا للتدخل لإنقاذ السوريين، لكن يبدو أن من يصدرون هذه النداءات إما أنهم لم يكلفوا أنفسهم، ويسألوا هل المجتمع الدولي مؤهل أخلاقيا للقيام بهذه المهمات، وهل لديه من الحس الإنساني الذي يحفزه لأي عمل تجاه السوريين، وإما أن تكون هذه النداءات لتخدير أبناء الأمة، وإشعارها بتقصير المجتمع الدولي، وفي هذا براءة ظاهرية من التقصير.
الخيط الذي يسري عبر مواقف العرب نحو قضاياهم يمثل حالة عجز، ومرض مزمن تأصل عبر السنين، وأسهمت في تشكيله ثقافة اجتماعية عامة، وثقافة سياسية جعلت من مصلحتها الشخصية محور ومركز جميع التحركات، والمواقف بعيدا عن مصلحة الأمة المركزية، أي أن الأمة خرجت للهامش لتحل محلها مصلحة فردية ضيقة تحكم جميع المواقف والاتفاقيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي