رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الحرب على أيديولوجية «الكراهية» وتعزيز الوحدة الوطنية

في فضاء العالم الافتراضي ترى العجب العجاب حيث تقرأ التغريدات والردود عليها دون أن تعرف فكر ومستوى عقل المتحدث ولغة جسده ونبرة صوته ولا تعرف مدى جديته وهزليته ولكي تتجاوز ذلك وتحاول أن تصل لفكرة عن المُغرد بشأن قضية ما تستعرض عددا كبيرا من تغريداته لتصل إلى تصور ما.
أحد الأصدقاء يقول إنه اطلع على تغريدة لكاتب خليجي مشهور يتهم فيها فئة من فئات المجتمع الخليجي الفكرية بنشر الكراهية فاستبشرت خيرا فذهبت لأطلع على تغريداته السابقة وإذا بها تنضح بالكراهية والدعوة لها ضد كل الفئات الفكرية التي لا تتوافق مع فكره وهواه. يقول صديقي إنني رددت عليه أنه من أكثر الناس نشرا للكراهية لعله يرد ويوضح موقفه وإذا به يحضرني فأدركت حينها أنه، كما هو حال الكثير من كتاب الرأي، ينشرون الكراهية بعلم أو دون علم ولا يريدون أن ينتقدهم أحد، بينما لهم كامل الحق في نقد الآخرين.
رددت عليه ببساطة أن مصطلح نشر ثقافة الكراهية مصطلح غريب على أسماعنا وهو من المصطلحات التي أثيرت حديثا وما زلنا لا ندرك معناها وفيما إذا كنا نشارك في نشر ثقافة الكراهية أم لا، وبالتالي أصبحت سلاحا للطعن في الآخر كما هو سلاح الوصمات غير المفهومة بدقة "ليبرالي، علماني، تكفيري، متشدد، متساهل، منحل... إلخ" إلا أنها تستخدم على نطاق واسع لتحجيم الآخر واستعداء الآخرين عليه كبديل لمواجهة ما يطرحه من أفكار وآراء لا قبل للبعض بالرد عليها منطقيا بشكل مقنع.
وقال ليت عدم الفهم يقف عند مصطلح نشر ثقافة الكراهية بل إنه يتعداه للانغلاق والانفتاح والتعصب والتطرف والإقصاء والتهميش والإرهاب وعلاقة كل من هذه المصطلحات بالأخرى وأصبحت كلها "وصمات" جديدة تضاف لقائمة الوصمات القديمة المتعارف عليها، وأصبح كل من يفعل فعلا أو يقول قولا أو يطرح فكرا حتى وصم بأحد هذه المصطلحات. ولذلك بدل من أن نعيها ونعالجها أصبحنا نعاني انتشارها كمصطلحات فضلا عن انتشارها كواقع معاش.
والسؤال هل نحن في مرحلة العلم بأن لدينا مشاكل اجتماعية بعد أن كنا نظن أنها مميزات نفخر بها؟ بمعنى هل صحونا من الوهم وأدركنا المشكلة وشرعنا في علاجها؟ أو أننا أدركنا أن هناك أمراضا اجتماعية تسمى الانغلاق والتعصب والكراهية والإقصاء والتطرف، وأن جزءا من المجتمع مصاب بها وأنه بكل تأكيد ليس نحن؟ وبالتالي أصبحت هذه الأمراض أداة بيدنا لنبذ الآخر بدل أن ندركها ونراجع أنفسنا لنتأكد من سلامتنا منها لعلاجها إذا كنا مصابين بها.
بحثت في مفهوم الكراهية وهو مفهوم حديث، ويرجع الاهتمام الواسع به على الأغلب إلى العقد الأخير من القرن العشرين كما كتب الباحث زكي الميلاد في صحيفة "عكاظ". ومفهوم الكراهية كما انتهى إليه الباحث "امتزاج موقف فكري مع حالة نفسية"، وبعبارة أخرى "الكراهية موقف فكري يتلبس بحالة نفسية وتتجلى بهذا المظهر النفسي، الذي يغلب عليه التوتر والانفعال، وبشكل يحدث تنافرا بين طرفي العلاقة"، وبعد أن وعيته أدركت أنني والكثير ممن حولي ننشره دون وعي وغالبا ما ننشره من باب نصرة ما نؤمن به وللأسف الشديد.
بل يبدو لي أن الكثير ممن يريدون نشر الإسلام وحث الآخرين على الدخول في الدين الإسلامي ينشرون ثقافة الكراهية بعكس ما جاء به الدين ولا يفرقون بين كراهية السلوك والذنب وكراهية الإنسان الذي دعانا المولى ـــ عز وجل ـــ لحبه ودعوته للدخول في الإسلام لكي يعيش قيمه ومفاهيمه ويستمتع بعبادة الله ويترفع عن عبادة من هم من دونه، بل حتى من يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمارس في كثير من الأحيان نشر الكراهية دون أن يعي ذلك رغم أن نبل مهمته التي تأتي في المحبة وليس الكراهية، نعم في إطار محبة الإنسان والرغبة بدفعه باللين لما ينفعه ونصحه بالابتعاد عما يضره ويضر مجتمعه.
مفهوم الكراهية ومحاربة الكراهية والأنظمة والتشريعات والإجراءات التي تجرم الكراهية وما يترتب عليها من عدوانية وإقصاء وتهميش وازدراء وتعصب وتطرف وعنف أمور حديثة لم يتم استيعابها بعمق ولا مؤشرات قياسية تمكننا من التعرف على مدى تغلغلها في ذواتنا وفي ذوات أفراد المجتمع، وهل هي في الحدود المعيارية المعقولة أم أنها فوق أو دون ذلك وما هي تجلياتها وآثارها في مجتمعنا ومدى خطورتها؟ ولذلك ما زلنا لا نعيرها اهتماما كبيرا رغم أن الظروف المحيطة بنا وتربص الأعداء بمملكتنا المستقرة تؤكد ضرورة الإسراع في التصدي لها بحزم لأنها بمثابة الحاضنة المحفزة للفرقة والمشجعة للعدو لاختراق المجتمع بدعاوى النصرة.
ثقافة الكراهية التي تفكك المجتمعات وتضعف النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية وتتيح للأعداء ثغرات للنفاذ منها لها بنية فكرية ومفاهيم أيديولوجية وأهداف ومبررات تتخذ كذرائع ومسوغات لتمريرها على الرأي العام بشعارات مضللة، ولا شك أن الكثير من الخطابات الدينية والثقافية التي تملأ فضاءاتنا وفضائياتنا وعالمينا المادي والافتراضي مشحونة بها، ولا شك أن الحرب على الكراهية وأسبابها ونتائجها تتطلب جهودا فكرية متضافرة مدعومة بجهود تنفيذية جادة علمية ومستمرة لحين الحد منها للدرجات المعقولة، وبكل تأكيد هذه الجهود يجب أن توضح ملامحها وتداعياتها وأضرارها الكبيرة وكيفية الخلاص منها وما يترتب على التفاهم والتوافق والتعاون والتعايش من آثار إيجابية ووحدة وطنية وقدرة على مواجهة التحديات خصوصا في الظروف العصيبة الحالية التي تمر بها أمتانا العربية والإسلامية.
أعتقد حان الوقت لإطلاق "عاصفة حزم" تقتلع الكراهية وأسبابها من جذورها بنشر قيم ومفاهيم المحبة والحوار والتفاهم والاحترام والمواطنة وإبراز أهمية وفوائد التنوع وضرورته لاستمرارية الحياة والنمو، وبكل تأكيد يجب أن يكون مركز الحوار رأس حربة في هذه العاصفة التي نأمل ألا يطول انتظارنا لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي