حديثي مع المستشار الإيراني
حدث ذلك عام 2006 حين وصلني هاتف من مستشار سياسي بالسفارة الإيرانية في الرياض. كان يوجه إلي دعوة بين مجموعة من السعوديين لزيارة طهران. كانت القائمة السعودية التي اطلعت عليها متنوعة تحوي إعلاميين ومثقفين وكتابا وفنانين تشكيليين، كجزء من حملة علاقات عامة للسفارة. وقد كانت الشرائح متنوعة من كل مناطق المملكة، ولم تستثن نماذج من العائلة المالكة. لكن ما جمع بين تلك الأسماء هو أن الأغلبية من الجيل الشاب العشريني، وربما في ذلك رسالة معينة. كانت السفارة الإيرانية تسعى إلى رسم صورة أفضل عن إيران لدى الجيل الحديث، أو هكذا كان يبدو؛ للتعريف بالثقافة والمجتمع والصناعة. وافقت على الدعوة وأعلمت المستشار برغبتي في إجراء حوار سياسي مع الرئيس الأسبق أحمدي نجاد إن أمكن خلال الزيارة. لم يقل المستشار شيئا بل وعدني بالمحاولة ولا سيما أن نجاد حينها في الهند ضمن جولة آسيوية لذا لا يمكنه الرد قبل أن يستشير وزير الإعلام الإيراني. وكان شيئا إضافيا ربما كان مغريا بالنسبة للجانب الإيراني في السفارة، وهو أنني حينها كنت للتو أعود من رحلة مع المارينز الأمريكي وقوات التحالف. وقد وجدت القصة الصحافية التي نشرتها في صحيفتي آنذاك مترجمة في أكثر من صحيفة إيرانية مهمة، على مواقعها الإلكترونية.
طلب مني المستشار كبقية المدعوين إرسال جوازي أو زيارة السفارة الإيرانية لختم التأشيرة، ولأنني كنت على سفر لا يسمح لي بإرسال جوازي وانتظار عودته، فقد زرت السفارة. وقد فوجئت بوجود المستشار العسكري بانتظاري أيضا. تركزت أسئلته على مشاهداتي من رحلة المارينز، حتى ختم جوازي وخرجت. بعد مدة جاءني اتصال من المستشار السياسي بأن وزير الإعلام الإيراني اعتذر عن قبول حواري مع نجاد، وقد كان السبب أن الصحيفة التي أعمل لها هي "ذات طرح عدائي وخط غير صديق تجاه إيران!". وعرض علي عوضا عن ذلك لقاء نجاد والمسؤولين والتقاط الصور التذكارية بمعية الوفد. فقدت حماستي حتى انتهت التأشيرة وسافر الزملاء وعادوا وتصدرت صورهم الصحف المحلية مع المسؤولين الإيرانيين بابتسامات عريضة.
مر على الحدث سنوات، وتغير الرئيس وبقي النهج الأساسي السياسي قائما كما هو، لكن: ما يا ترى الصحافة العربية أو حتى الغربية التي تصنفها إيران كصديقة؟ وهل تعتبر إيران نفسها دولة "صديقة" بالمقابل مع الآخرين في طرحها الإعلامي والسياسي مع جيرانها؟ ولأن إيران ليست أمريكا في حرية الرأي والصحافة فلا بد أن أتساءل. الصحافة الإيرانية تتجاوز المهنية إلى السخرية اللاذعة سواء مع السعودية أو غيرها، وبطريقة الهجوم. ولا أعتقد أن الصحافة السعودية، ولا حتى اللغة الدبلوماسية السياسية السعودية فعلت ما يقابل ما تفعله اللغة الإيرانية "الهجومية" مع السعودية وغيرها. العجيب أنه وفي اليوم الذي وصل فيه الرئيس أردوغان أخيرا إلى طهران، وهي زيارة لتبادلات اقتصادية مع البلدين، نشرت صحيفة إيرانية كاريكاتيرا يصور أردوغان "دونكيشوت" على "حمار" خشبي مع عنوان يقول: الدونكيشوت العثماني يصل طهران! في الحقيقة هناك أسئلة كثيرة على السياسة الإيرانية أن تراجعها لكي نفهم أو تفهم. قد تنجح إيران في تسويق الثقافة والفن والمجتمع، لكن مشاريعها وسياستها العدائية تنسف آمال شعبها.