بين الأنظمة والقائمين عليها
في جولة سريعة على الأنظمة التي أصدرتها الحكومة، يتبين وجود الكثير من الأنظمة في كافة المجالات، إذ توجد أنظمة للخدمة المدنية وأخرى للعسكرية، وأنظمة للصحة وأخرى للمرور، وأنظمة للبيئة وأخرى للمياه، ومثلها للخدمات البلدية، وأنظمة للمشاريع وتنفيذها، ومع وجود الأنظمة في كافة المجالات، إلا أن المشاهدات اليومية في الشوارع والأسواق، والبراري تكشف خللا في التطبيق، وضعفا في تنفيذ الأنظمة، ما يستثير في النفس التساؤل: لماذا الإخفاق في الالتزام بالأنظمة؟!
الهدف من وجود الأنظمة في كافة أرجاء المعمورة تنظيم وتدبير شؤون الناس بالشكل الذي يكفل لهم حقوقهم، ويحقق الطمأنينة، والاستقرار في المجتمع بدلا من ترك الأمور لاجتهادات فردية يترتب عليها التجاوز على حقوق الآخرين، والتعدي عليها، أو الإضرار بالممتلكات العامة.
في خبر أوردته الصحف اليومية أن جزءا من سقف مبنى الضمان الاجتماعي في صبيا سقط رغم أن المبنى جديد، ولم يستلم إلا قبل أسبوع من سقوطه، ومثل هذا خبر مماثل إذ سقطت بوابة مطار الأحساء رغم أنه جديد، كما أن مباني مدرسية تستلم جديدة ثم يوقف العمل فيها لاكتشاف عيوب جسيمة لا يمكن استمرار العمل بوجودها. تنفيذ الأرصفة وهي مشاريع بسيطة أتألم عندما أمشي عليها لسوء تنفيذها، وافتقاد الدقة والجودة رغم حداثتها، إذ لا يتحقق الهدف منها فلا راحة في المشي ولا استقامة، بل إن بعضها قد يتسبب في إصابات في القدم، أو الظهر. أما هبوط الشوارع والتشققات التي تحدث فيها فهي مما أصبح جزءا من منظومة ثقافة مشاريعنا، إذ أصبحت العيوب شيئا متكررا ومألوفا في كل المدن والأحياء.
الأنظمة كما سلف وجدت لراحة الإنسان، وسلامته، والحفاظ على حقوقه، لكن في كثير من الأحيان تفتقد هذه الأشياء، من المؤكد أن النظام لا يفرض نفسه، بل لا بد من أفراد يسعون للتحقق من الالتزام به لأن النفس البشرية مجبولة على التجاوز، والتعدي إذا لم تجد من يردعها، فإشارات المرور نظام لضبط سلوك قيادة السيارة، ولو لم توجد لشاهدنا الفوضى، وعدم احترام حق المرور، ولذا نجد من يتجاوز الإشارة الحمراء، وهو بهذا الفعل يتعدى على حق الآخرين، كما أن التعدي يتضح بشكل جلي في التقاطعات التي يوجد فيها دوار، إذ البعض لا يعطي الحق للقادم من اليسار، أما الوقوف في الأماكن المخصصة للمعاقون، والوقوف على الأرصفة، وإغلاق الممرات المخصصة للمعوقين على الأرصفة فأمر أصبح مألوفا .
أوجدت الحكومة أجهزة من مهامها فرض النظام وتطبيقه، كما أوجدت أجهزة دورها الأساس التأكد من تطبيق الأنظمة مثل هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة مكافحة الفساد، وديوان المراقبة العامة، ومع ذلك تتكرر مشاهد تجاوز النظام والتعدي عليه حتى يخيل للمرء أن هذا هو الأصل وليس الاستثناء.
لماذا الجرأة على النظام من قبل البعض، ولماذا التراخي في تطبيقه من قبل الجهات ذات العلاقه؟! كما سبق الإنسان بطبيعته البشرية يميل إلى التحرر من القيود لشعور خاطئ بثقلها على نفسه، وظنا منه أن مخالفة النظام تحقق له ما يريد بصورة أسرع وأيسر، مثل من يسير عكس الطريق للاختصار، أو من يصعد الرصيف لينتقل للاتجاه الآخر، دون أن يفكر في الأضرار الناجمة عن هذا السلوك لسيارته، أو للآخرين. تجاوز النظام في أمور أخرى قد يكون مرده الروتين، والبيروقراطية الإدارية داخل بعض الدوائر، فطول المدة لإنجاز أمر من الأمور البسيطة يزيد من فرصة مخالفة النظام، الأمر الذي يوجد مناخا وبيئة للفساد لتتحول عملية إنجاز المهمات بصورة نظامية إلى أمر ثقيل مضيع للوقت، ومن ثم يكون البديل الإنجاز خارج النظام.
الدافعية لإنجاز العمل وفق النظام قد لا تتوافر عند كل أحد، خاصة ذوي الضمائر الميتة، وعند الشعور بعدم وجود الرقيب النظامي، والشعور بسهولة الإفلات من العقاب، إضافة إلى عدم الكفاءة لدى البعض. التوجه الجديد لميكنة الكثير من المعاملات وإنجازها من قبل صاحب الشأن، ومن منزله، كما في الكثير من أعمال وزارة الداخلية، كالجواز، والرخصة، والإقامة سيقلل حتما من فرص مخالفة النظام التي تحدث من قبل القائمين على فرضه وتنفيذه، لكن تبقى أعمال أخرى لا يمكن فيها الاستغناء عن الجهد البشري المخلص ذي الضمير الحي، ولعل الجهات الحكومية الأخرى تسعى لتوظيف الميكنة أو ما يسمى الحكومة الإلكترونية للتخفيف إن لم يكن الخلاص من الروتين وتبعاته الثقيلة والكريهة.