رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


كيفية رفع مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات الطرفية

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن أهمية تكامل تقديم الخدمات الصحية بين القطاعات المختلفة، خصوصا بين وزارة الصحة ووزارة التعليم خصوصا في مناطق الأطراف البعيدة عن المدن الرئيسية وتوجد فيها جامعات ناشئة. ولعلي في هذا المقال أن أتطرق إلى كيفية تحقيق هذا التكامل في تقديم الرعاية الصحية بين وزارة الصحة ووزارة التعليم. هذا التكامل يتطلب من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية رفع شعار "أولوية الخدمة وفقا لاحتياجات المواطن الصحية وليس لاحتياج القطاعات". فمن أجل تحقيق هذه الغاية يجب عمل ما يلي:
أولا: أن تضم مستشفيات وزارة الصحة - الواقعة في مناطق فيها جامعات ناشئة - لتلك المستشفيات الجامعية نظرا لوجود الكادر الأكاديمي والطبي المهيأ لإدارة وتشغيل تلك المستشفيات. فمعظم الجامعات الناشئة توجد فيها كلية طب وكلية علوم طبية وكلية للتمريض، بل إن بعض هذه الجامعات يوجد فيها أكثر من كلية للطب وأكثر من كلية للعلوم الطبية أو كلية تمريض. هذه الجامعات بحاجة إلى منشآت صحية كبيرة تتيح لخريجها التدرب في أقسامها المختلفة، كما أن الممارسة العملية والتطبيقية للكليات الصحية تكون أفضل كلما كان عدد المرضى وحجم المستشفى كبيرين. ففي حالة ضمت تلك المستشفيات، فإن فرص التدريب لطلبتها ستكون بصورة أكبر بعد اتساع مستوى الخدمات فيها وزيادة المرضى التابعين لها (بعد ضم مستشفيات وزارة الصحة للمستشفيات الجامعية).
كما أن عديدا من الجامعات الناشئة بصدد الاحتفال بتخريج عديد من طلبتها من الكليات الصحية خلال هذا العام. لذا فإن رغبتهم في العمل في مستشفيات جامعاتهم ستكون أكبر في حالة توافر الخدمات اللازمة للممارسة العلمية والتدريب اللازم. ولا شك أن خريجي تلك الجامعات ستكون لديهم الرغبة في العمل في مستشفيات الجامعات التي تخرجوا منها أكبر ممن لم تسبق لهم الدراسة في تلك المناطق من غير أهلها. فالطالب قبل تخرجه في أي من الكليات الصحية سيكون قد أمضى فترة لا تقل عن أربع سنوات مقيما أو مترددا على الكلية التي يدرس فيها. هذه السنوات كفيلة لأن يتعود الطالب على الإقامة في تلك المناطق والعيش فيها إذا ما توافرت في تلك المستشفيات الخدمات اللازمة لمزاولة المهنة.
ثانيا: إدارة المستشفيات الجامعية مستشفيات وزارة الصحة في المناطق الطرفية البعيدة عن المدن الرئيسية ستسهم في تقليل التكلفة التشغيلية لتلك المستشفيات نظرا لأن الإدارة ستكون موحدة وحجم المستشفيات سيكون أكبر نظرا لأن المستشفيات الجامعية بعد ضم مستشفيات وزارة الصحة لها ستضاعف طاقتها الاستيعابية دون ازدواجية في التشغيل أو الخدمات الصحية المقدمة. لذا فإن زيادة أعداد تلك المستشفيات وضم مستشفيات وزارة الصحة لها سيساعدانها على زيادة الممارسة الطبية للكوادر الطبية العاملة فيها، ويسهلان استقطاب الكفاءات المميزة للعمل فيها، ما يسهم في رفع الجودة العلاجية لتلك المستشفيات وتقليل تكلفتها التشغيلية.
كما أن هذا الإجراء يقلل ازدواجية التوظيف لمناطق يصعب الاستقطاب فيها ويرفع كفاءات الاستخدام للأجهزة الطبية فيها ويرفع مستوى الخدمات المتوافرة فيها، ما يحد من هجرة مرضى تلك المناطق للسفر للمدن الكبرى بحثا عن العلاج.
ثالثا: ومن أجل أن تتحقق الأهداف السابق ذكرها، فإن وزارة المالية بحاجة إلى إعادة تقييم آليات الصرف على الخدمات الصحية بحيث يكون حساب الشريحة السكانية المستفيدة من الخدمات العلاجية ونوعية الخدمة (تخصصية أم عامة) أساسا في احتساب الميزانية الصحية المخصصة للمستشفيات أو للقطاعات. فكل دول العالم لديها آليات محددة لاعتماد الميزانية الصحية. فمثلا دولة كالنرويج، التي تتشابه معنا في النظام الصحي من حيث مجانية العلاج تعتمد ميزانيتها الصحية عبر الأقاليم وحسب العدد السكاني لكل إقليم. فمن المؤسف أن النظام المالي الذي تعتمده وزارة المالية يساعد مستشفيات التشغيل الذاتي على وجه الخصوص على زيادة الصرف بدلا من أن يحفز رفع الكفاءة التشغيلية. وهذه الحقيقة كانت إحدى أهم النقاط التي ذكرها البنك الدولي عند تقييمه الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية عامي 2004 و2009.
فمن المعلوم أن الطريقة التقليدية التي تعتمدها وزارة المالية عند تقييمها الميزانية الصحية قائمة على الاعتماد على ما تم رصده من اعتمادات مالية في السنوات المالية المنصرمة ومدى استهلاك تلك الميزانيات. فكل من يستنفد ميزانيته بشكل أكبر تكون له الفرصة في زيادة في الميزانية خلال العام الذي بعده دون اعتبار لكفاءات التشغيل أو قياس للمخرجات الصحية المرجوة من تلك الميزانية.
أنا على قناعة بأن تغيير اعتماد الميزانية الصحية وفقا لأعداد المرضى المستفيدين من الخدمة سيشجع كثيرا من المستشفيات الحكومية حتى غير التابعة لوزارة الصحة لزيادة خدمتها لأكبر شريحة من المواطنين غير التابعين لها لأنها ستكون الطريقة الأسرع لزيادة اعتماد الميزانيات السنوية لها.
كما أن اعتماد الميزانيات وفقا للشريحة المستفيدة من الخدمة سيساعد على توحيد الخدمات الصحية بين مختلف القطاعات الحكومية بسبب أن تقديم الخدمات الصحية سيكون على أساس أعداد المواطنين المستفيدين من الخدمة وليس لأي اعتبارات أخرى.
ما أتمناه وفي ظل وجود مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أن يتم الإسراع في توحيد الخدمة العلاجية، خصوصا بين القطاعات الصحية المختلفة، لأنها تحقق تنمية واستثمار أمثل للميزانيات الصحية، خصوصا في المناطق النائية. ولعل وزارتي التعليم والصحة يمكن أن يكونا البداية الصحيحة لأن ينعم المواطن بخدمات صحية مناسبة ومميزة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي