رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أنظمة الصحافة مضى عليها حين من الدهر .. هل تتغير؟

إن الأنظمة التي تنظم الصحافة السعودية ووسائل النشر المختلفة هي أربعة، أولها نظام المطبوعات والنشر وهو الأب الشرعي لجميع الأنظمة التي صدرت لتقنين وتنظيم الإعلام السعودي، وصدر هذا النظام في عام 1937م، وتم تجديده مرات عديدات في محاولات لمواكبة التطورات وتغطية كل المستجدات.
وفحوى هذا النظام هو أن كل ما هو قابل للنشر والإصدار يقع تحت طائلة رقابة وزارة الثقافة والإعلام، وينص النظام على سلسلة من الخطوط الحمراء تقابلها سلسلة من العقوبات لكل من يتجاوز حدود المواد الواجب احترامها.
وكانت الصحف تقع تحت طائلة هذا النظام حتى عام 1963م حينما صدر نظام المؤسسات الصحافية الأهلية، وهذا النظام نقل الصحف من الملكية الفردية (صحافة الأفراد) إلى الملكية الجماعية (المؤسسات الصحافية)، وهكذا أصبح نظام المؤسسات الصحافية هو الذي يحكم وينظم الصحافة ابتداء من تشكيل المؤسسات الصحافية حتى إصدارها الصحف، التي تأسست من أجل إصدارها.
ولكن ظل نظام المطبوعات والنشر يطل على الصحافيين بين لحظة وأخرى ويقوم بوظيفة الرقابة وتسديد شتى العقوبات ضد الصحافيين المخالفين لنص وروح النظام.
وهكذا فإن نظام المؤسسات الصحافية هو النظام الثاني الذي تقع الصحافة في معيته وتحت مظلته وسطوته، وهذا النظام هو الذي أحدث أول تغيير في البنى التحتية للصحافة السعودية، وهو الذي سحب امتيازات الصحف من الأفراد وأعطى حق الملكية لمجموعة من المالكين، وهو أول نظام مستقل يصدر من أجل ترتيب أوضاع الصحافة والصحافيين، وكان الهدف من إصدار نظام مستقل عن الصحافة هو استبعاد شخصنة الصحافة ومنع الأفراد من استخدام الصحافة لتحقيق المآرب الشخصية، كذلك كان النظام يهدف إلى تطوير الصحافة كي ترتفع إلى المستوى الذي يمكنها من الدفاع عن الوطن وتطلعاته الكبرى.
وواضح أن نظام المؤسسات الصحافية الأهلية حينما صدر في عام 1963م كان مناسباً للستينيات الميلادية، ولكنه قطعاً لم يكن مناسباً للقرن الحادي والعشرين وعصر العولمة، وحتى يعبر النظام عن مرحلة الثورة التكنولوجية الجديدة وعصر الإعلام الإلكتروني، فإننا نحتاج إلى تغيير جذري في هذا النظام وفي غيره من أنظمة الإعلام.
إن نظام المؤسسات الصحافية صدر من أجل أن يعالج شؤون وشجون الصحافة الورقية، ولكن ونحن في عصر العولمة في مواجهة ثورة في المعلومات وثورة أكبر في تكنولوجيا النشر، وواضح أن الصحافة تتجه من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية، وواضح أكثر من ذلك أن الإعلام الجديد أو ما يسمى بـ «إعلام التواصل الاجتماعي» ينطلق في سماء الحرية المطلقة ويتقدم نحو المجتمع في كل أنحاء العالم، لينقل الواقعة الخبرية الفورية بالصوت والصورة.
لنقل مرة أخرى إن عصر الصحافة الورقية قد ولّى وأَفَلْ، ونحن الآن نعيش في عصر نجومية الصحافة الإلكترونية، وإعلام الفضائيات والإنترنت والسماوات المفتوحة.
وباختصار فإن نظام المؤسسات الصحافية الحالى أصبح تاريخاً، وصحفنا اليوم تغرد خارج سرب هذا النظام، أي أن مطارات هذا النظام لم تعد صالحة لهبوط وإقلاع صحافة من وزن طائرات F-18، ويكفينا القول إن نظام المؤسسات الصحافية صدر لتنظيم أركان الصحافة الورقية في عصرها اليدوي، أمّا صحافة اليوم فقد أصبحت صحافة إلكترونية لا يناسبها إلاّ نظام يراعي ثورة إلكترونية تفاعلية جبارة تواصلت، وتتردد أصداؤها في كل أنحاء العالم.
أمّا النظام الثالث من الأنظمة التي تحكم الإعلام السعودي فهو نظام حقوق الملكية الفكرية، وهذا النظام صدر ليفي بشرط من شروط اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي قبلت انضمام المملكة إلى عضويتها شريطة استيفاء عدد من الأنظمة في مجالات التجارة والاستثمار ومجالات حقوق الإنسان وحقوق الملكية الفكرية، وهذا لا تعليق عليه، لأنه يرتبط بما التزمت به المملكة من اتفاقيات مع منظمة التجارة العالمية.
ورابع الأنظمة التي كانت تحكم الإعلام السعودي ضمن منظومة "أربعة أنظمة" فهو ليس نظاماّ بالمفهوم المهني، وإنما هو مجموعة من التوجيهات والسياسات التي صدرت تحت عنوان "السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية"، وهي مجموعة من القواعد الشرعية والأخلاقية التي تعبر عن الهوية السياسية للمملكة العربية السعودية، والسياسة الإعلامية صدرت لكي تؤكد الهوية السياسية التي تستوحي قواعدها الأساسية من مبادئ ديننا الإسلامي الأقوم، والتوجيهات التي تتضمنها السياسة الإعلامية هي توجيهات موجودة في سلوكيات الإنسان السعودي سواء في مجالات الإعلام أم في مجالات السلوك الاجتماعي العام.
والخلاصة، أن أنظمة الصحافة والنشر العتيقة التي مضى عليها حين وحين من الدهر نضعها أمام الدكتور عادل الطريفي، وحسبي إنه يعرفها تماماً وتعامل معها في كثير من الأحايين، ونرجوه أن يعمل بجد على تغييرها من جذورها، وإصدار أنظمة تعبر عن روح العصر، وأهم ما يجب أن نهتم به في الأنظمة الجديدة هو رفع سقف حرية التعبير، لأن طبيعة الإعلام الجديد ألغت ــ بتقنياتها المذهلة ــ كل القيود المفروضة وهما على الإعلام، واجب وزارة الثقافة والإعلام أن تتعامل مع المستجدات في عالم يتحرك في عنان الفضاء قبل أن يتحرك فوق الأرض، وإذا كان واجب علينا أن نهتم بما هو كائن فوق الأرض، فما أحوجنا إلى الاهتمام بما هو معلق في السموات المفتوحة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي