رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


شح الغاز ووفرة الطاقة الشمسية

كنا ، وإلى عهد قريب، نعول على مصادر الغاز الطبيعي من أجل إكمال مسيرتنا نحو نهضتنا الصناعية التي بدأناها بمرافق الجبيل وينبع، إلى جانب التوسع في توليد الطاقة الكهربائية. وكان الأمل كبيرا في تحقيق ذلك الهدف عن طريق اكتشاف مزيد من حقول الغاز غير المصاحب. وقد نجح مجهودنا إلى حد ما، ولكن ليس إلى المستوى الذي كنا نتمنى الوصول إليه. ولا تزال الجهود مستمرة، رغم التكاليف الباهظة وفشل بعض المحاولات، لعل وعسى يكتب الله لنا التوفيق ونكتشف مزيدا من الحقول. فمع التوسع الصناعي وارتفاع الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية، الذي ينمو سنويا بنسبة عالية، نجد أنفسنا مضطرين إلى استهلاك كميات كبيرة من النفط الخام المعد للتصدير، كرافد للغاز والمشتقات النفطية الثقيلة. وعلى المدى البعيد، فمن المتوقع أن تقل كميات الغاز المحلي المتوافر لدينا اليوم، بسبب النضوب الطبيعي. وللمعلومية، فهناك مصدران للغاز رئيسان، ما يسمى الغاز المصاحب، والغاز الحر الذي ننتجه من حقول الغاز. والغاز المصاحب يتم إنتاجه مع النفط، وبطبيعة الحال فكمياته تتضاءل مع مرور الوقت ومع الاستنزاف الطبيعي للمخزون النفطي. أي أننا أمام مستقبل وضعين، ارتفاع في الطلب على الغاز واحتمال انخفاض مصادر الإمداد. وهذا سوف يدفعنا إلى مزيد من حرق السوائل النفطية، بما فيها النفط الخام. والحل الأمثل لتدارك الوضع قبل أن يستفحل ونضطر إلى إحراق كميات كبيرة من الإنتاج النفطي المعد للتصدير، هو الإسراع في إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية التي ظللنا نتحدث عنها منذ أكثر من عشر سنين. ولعله من حسن الطالع أن تكون تكلفة منشآت الطاقة الشمسية في متناول أيدينا الآن، وفي الوقت نفسه، فهي منافسة من حيث التكلفة للسوائل النفطية عند الأسعار العالمية. ولا تزال أسعار الطاقة الشمسية في انخفاض مستمر حتى يومنا هذا وإلى الغد. ولعل الاتفاق الذي تم أخيرا بين شركة أكوا السعودية ودولة الإمارات العربية، حول إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية بأسعار مغرية جدا لدليل واضح على التطور الإيجابي لمصلحة الطاقة الشمسية. وربما يتساءل البعض عن مستقبل الغاز الصخري في بلادنا. فنجاح الولايات المتحدة الأمريكية في إنتاجه من الطبقات الصخرية الصماء أو عديمة النفاذية، وبتكلفة مقبولة اقتصاديا بالنسبة لهم هناك، يغري الآخرين بمحاولة عمل الشيء نفسه بعد أن يثبت وجود الغاز الصخري. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن إنتاج الغاز والنفط الصخري خارج أمريكا ربما تتطلب جدواه الاقتصادية سعرا أعلى بكثير من الذي يسمح بإنتاج الصخري الأمريكي لأسباب كثيرة، وأهمها جيلوجي ولوجستي. أما في السعودية فلا يزال موضوع وجود الصخري وتكلفة إنتاجه في مجال البحث والدراسة.
وبصرف النظر عن أي مبررات أو تبريرات، فإنه قد حان وقت قبول الطاقة الشمسية كأهم مقومات مصادر الطاقة، وهي النظيفة والمتجددة. ومزايا صناعة الطاقة الشمسية بالنسبة لنا في الخليج تفوق التصور. فهي، كما ذكرنا، عديمة التلويث للبيئة ومعينها لا ينضب وفي متناول الجميع دون منة من محتكر. ومن الممكن استخدامها بأي كمية تريد وفي أي مكان على وجه الأرض. وتوطين صناعة الطاقة الشمسية المتكاملة سوف يوفر لنا عشرات الألوف من الوظائف للشباب. ومواد تصنيع جميع متطلباتها متوافرة لدينا. ومن السهولة بمكان أن يستطيع الشباب المدرب إقامة المنشآت وتشغيلها وصيانتها دونما استعانة بأيد خارجية. وسيكون بإمكاننا التوسع في منشآت توليد الطاقة الشمسية إلى ما شاء الله، على أرضنا الواسعة. وإلى جانب توليد التيار الكهربائي، فهي حتما سوف تكون أيضا مصدرا لطاقة تحلية المياه على شواطئ البحار، أو ما يسمى الإنتاج المزدوج. وللطاقة الشمسية ميزة لا تتوافر في غيرها من المصادر. فذروة عطائها تتوافق مع ذروة الطلب اليومي على التيار الكهربائي. وربما أن الكثيرين لا يدركون الأهمية الاقتصادية لهذه الخصوصية. فشركات الكهرباء تضطر إلى بناء محطات توليد مكلفة فقط من أجل تغطية أوقات الذروة التي لا تدوم إلا ساعات، ومن ثم يعمدون إلى إغلاقها حتى يحين وقت الذروة من يوم الغد. وهذا يعني على أرض الواقع أن التكلفة الحقيقية للإنتاج خلال ساعات الذروة تكون أضعاف معدل تكلفة باقي الأوقات العادية. فإذا تم إنشاء مرافق الطاقة الشمسية، فإن ذلك يعني توفير بناء محطات إضافية مكلفة.
ولو عدنا إلى الوراء قليلا، ولبضع سنوات، لوجدنا أن الحديث عن مشاريع الطاقة الشمسية قد اكتسب نصيب الأسد من اهتمام المسؤولين. حتى وصل بنا الأمر إلى التفكير في تصدير فائض إنتاج الطاقة الشمسية، ونحن لم نبدأ بعد في إنشائها. ولكن التنفيذ على أرض الواقع لم يحظ بأي تقدم يذكر خلال السنوات القليلة الماضية. ومن حسن الحظ أن المال، الذي هو في العادة العائق الأكبر، متوافر وبكميات تفيض عن متطلبات مشاريعنا التنموية. ومن المؤكد أن توطين صناعة الطاقة الشمسية تعتبر من أفضل مشاريع تنويع الدخل الذي نحن دائما بحاجة إليه. وليس لدينا أدنى شك في أن المسؤولين في بلادنا، وعلى رأسهم القيادة العليا، لن يألوا جهدا في سبيل ضمان مستقبل أفضل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي