رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الشباب.. بلا طموح

يصطدم بعض الشباب بالواقع المهني ويكثر من استخدام لغة التذمر والسخط من قبل حتى يندمج في وظيفته الجديدة، والمشكلة أن الكثيرين منهم يتقوقع وينكمش حين تتاح له الفرص! يمثل ضعف الطموح إحدى أكبر المشكلات التي تواجه الشباب أثناء العمل، وهي مشكلة مؤرقة حتى للقائمين على التطوير المهني على المستوى الوطني، لدورها المؤثر في برامجهم وفي النتائج العملية التي يرجون الوصول إليها.
أستغرب كثيرا حين أجد شابا متفوقا في دراسته الجامعية يتردد عند التقدم لشركة محترمة لطلب العمل لديها، مبررا بأنها أفضل من مستواه! أو أن فرصته للالتحاق بها ضعيفة. وأستغرب أكثر حين أجد من تتاح له كل فرص التقدم في وظيفته الحالية، ولا يستغلها. بل إن بعضهم يتحول إلى الدفاع والهجوم ـــ عوضا عن الانطلاق واستغلال الفرصة ـــ حين يخبره مديره بأنه يحتاج إلى تطوير بعض مهاراته.
تعود علينا محاولة التنظير حول أسباب ضعف طموح الشباب بمجموعة كبيرة من الأسباب المختلفة، منها الاجتماعي والتربوي وما يرتبط بالمفاهيم الخاطئة والرائجة بين أوساط الشباب والحالة المهنية الحالية للقطاعين الحكومي والخاص إضافة إلى غياب المحفزات وربما، إلى حد ما، ضعف التحديات التي تصنع الطموح.
الشاب الذي لم يشعر خلال حياته بحاجته الماسة إلى تغيير جذري يترجم برؤى وجهود تتغير معها حياته، لن يحاول على الأرجح امتلاك هذا الطموح المكلف. قد يتطلب الطموح الحاجة الماسة أو الأسباب القوية المؤثرة أو حتى القيم الداخلية الحية التي يمتلكها الجميع، ولكن لا يحسن البعض استغلالها.
من الذكاء الذي يمارسه بعض الشباب ـــ وقد شاهدته عدة مرات ــــ الحفاظ على حقيبة ممتلئة بمغذيات الطموح التي تحافظ على حيويته وحيوية أهدافه؛ مثل هذا يصاحب الناجحين ويتابع قصصهم ويعبر عن طموحاته حتى تقع وتثبت عليه، ويتقمص شخصية المجتهد المعطاء ويتابع تطور مهاراته ويقارن نفسه مع من هم أعلى منه بدرجة أو عدة درجات.
مشكلة الطموح أنه يرتبط بالتوقيت. الطموح المتأخر مردوده ضعيف، تماما كمن يحاول الزراعة آخر الموسم وتصبح ثماره عند الحصاد أصغر وأقل نضجا. وهذا ما يصنع لنا أكبر معضلة يواجهها الشاب في تأمين مستقبله. ولادة الطموح في السنوات الخمس الأولى من حياته الجامعية مثلا تختلف تماما عن ولادته بعد الانتهاء منها. وهذا يحصل فعليا اليوم لدى الكثير من طلاب الجامعة حيث يبنى المعدل التراكمي على درجات متدنية جدا في السنة التحضيرية والسنة التي تليها، حينما يكون التفوق متأخرا.
على الرغم من أن ظهور الطموح بعد الثلاثين أفضل من عدم ظهوره على الإطلاق، إلا أن تكلفة هذا التأخير يتحملها الشخص وتتحملها أسرته ولو بعد حين. وقد تكون التكلفة هنا غير قابلة للتعويض، وذلك عندما تذهب الفرص التي بقيت تنتظرنا لبعض أشهر أو سنوات دون أن تعود.
للعادات والظروف الاجتماعية دور محسوس يؤثر في قابلية صنع الطموح ولكن الشباب بطبيعتهم الجامحة والجريئة يتغلبون عليها، خصوصا أثناء التخطيط والبناء. ولكن عندما يبدأ الشاب بتنفيذ مخططاته الطموحة تتجسد هذه العادات والظروف الاجتماعية بطريقة مقلقة ومزعجة، وللأسف تثني البعض عن الجري خلف طموحاتهم. ومن ذلك ما يفعله الشاب عندما يعتقد أن أولوياته تحتم عليه التوقف عن العطاء الإضافي في عمله استجابة للالتزامات الاجتماعية.
حتى اليوم نجد أحيانا من يحاول ـــ وهم قلة ـــ ترك القطاع الخاص بحثا عن الوظيفة الآمنة والمستقرة، حسب اعتقاده. ومثل هذا يبرر موقفه بأنه سيتحكم أكثر في الوقت المتاح له وسيكون لديه المزيد من الوقت وما يكفي للبدء في مشروعه الجانبي والالتزام مع والديه وأسرته وأصدقائه؛ هو يصنع صورة مثالية ومكاسب متعددة ومغرية من خيار متدهور وخاسر. العمل في الوظائف التي لا تتطلب الوقت والجهد لا يصنع القيمة. حتى القدرات العقلية والمهارات الشخصية تتدهور في مثل هذه الأماكن.
من المعضلات التي يواجهها بعض الشباب دفعهم من أحبائهم نحو العمل والإنتاجية والطموح العالي جدا، ولكن حين يبدأ العمل يجد نفسه يستمع إلى عبارات مثل: "هذه الشركة تستغلك" أو "لماذا تعمل إلى هذه الساعة المتأخرة" أو "ألا يوجد غيرك في هذه المكان؟!" ربما يسمعها أحيانا من أقرب الناس إليه. على الشاب الطموح أن يتعلم كيف يحمي نفسه من مثل هذه التناقضات.
نعم، الطموح مسألة شخصية بامتياز لكنه أيضا منتج يشترك فيه الآخرون بدرجات مختلفة. وعلى من يريد أن يحافظ على طموحه وطاقته الكامنة التي يستغلها لتحقيق أهدافه أن يحرص على التعامل مع من حوله بطريقة تضمن له عدم المساس بطموحاته، أو على الأقل دفعها للإمام وليس للخلف. وهذا لا يحدث بالابتعاد عنهم ـــ ربما يجب الابتعاد عن البعض ــــ ولكنه يحدث في الأساس بتمرير وعرض الإرادة والثقة. لا بد أن يكون الشاب أكثر وضوحا وصلابة، ولا بد أن يبحث عما يثير رغباته ويحول آماله إلى طموحات واقعية يجتهد من أجلها ويستغلها كما يجب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي