كيف سيكون شكل انتعاش أسعار النفط؟
بعد التراجع الكبير في أسعار النفط الذي بدأ في حزيران (يونيو) من العام الماضي، على ما يبدو أن أسواق النفط أخذت بالانتعاش في كانون الثاني (يناير)، وحققت بالفعل مكاسب على أساس شهري في شباط (فبراير) في جميع العقود الآجلة الرئيسة الخمسة. بدأ الأمر كما لو أن التراجع قد انتهى، وأن الانتعاش القوي على الطريق. لكن هذا الاعتقاد قد تلاشى بعدما أغلقت الأسواق في نهاية آذار (مارس) أقل من الشهر السابق باستثناء عقود البنزين في أسواق نيويورك، التي كانت مدعومة من التغيير في مواصفات العقد.
الهبوط الحاد في أسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2014، حدث مرة واحدة من قبل، في النصف الثاني من عام 2008، لذلك من المفيد جدا أن ننظر في أوجه التشابه والاختلاف بين حركتي الهبوط لمعرفة شكل الانتعاش المحتمل للدورة الحالية. لكن، من الواضح بشكل متزايد الآن أن انتعاش الدورة الحالية لن يكرر شكل V الذي كان سمة الدورة السابقة، وذلك لأن أسباب التراجع مختلفة تماما.
أحد أوجه التشابه الكبير بين الدورتين هو أن فترة التراجع في كلتا الحالتين استمرت لمدة ستة إلى سبعة أشهر اعتمادا على نوع العقد. لكن هذه الميزة المشتركة تحولت إلى اختلاف، حيث إن أسواق العقود الآجلة للنفط في آذار (مارس) الماضي أغلقت دون مستوى أسعار شباط (فبراير). التشابه الآخر هو أنه في كلتا الحالتين، شهدت الأسواق زيادة في التقلبات، على الرغم من أن التذبذب في الأسعار قبل ست سنوات في بعض الأحيان اقترب وحتى تجاوز 100 في المائة، هذا الأمر لم نشهده في هذه المرة. ما يدل على أن الهبوط الحالي في الأسعار مع كل عناصر القلق التي رافقته هو أكثر اعتدالا من التراجع الذي حدث في عام 2008.
هذا فيما يخص أوجه التشابه بين الدورتين. أما بالنسبة إلى أوجه الاختلاف بينهما، من المثير للانتباه أن نلاحظ أن تراجع الأسعار في عام 2008 سبقه ارتفاع هائل من 50 دولارا للبرميل إلى قرب 150 دولارا للبرميل في أقل من عامين، في حين أنه في دورة الهبوط الحالية راوحت الأسعار بين 95 و125 دولارا للبرميل لمدة أربع سنوات تقريبا قبل أن تتراجع.
لقد قاد المضاربون الزخم في دورة التراجع الأولى 2008 وحتى خلال فترة الانهيار كانوا أحيانا يراكمون صافي مراكز البيع Short Positions، وهو الأمر الذي لم يحدث في هذه المرة. في الواقع في هذه الدورة كان مديرو الأموال money Managers يزيدون من صافي مراكز الشراءLong Position طوال الفترة بين شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وشباط (فبراير) الماضيين، في حين استمرت أسعار النفط في الانخفاض ما يدل على أن الأسواق الآنية هي التي كانت تهيمن على تحركات الأسعار. ربما يقودنا هذا إلى أهم اختلاف بين الدورتين.
ويمثل المحرك وراء اتجاهات الأسواق الهبوطية الاختلاف الرئيس بين الدورتين. كان السبب وراء انهيار أسعار النفط قبل سبع سنوات هو بداية الأزمة المالية في الولايات المتحدة التي عصفت لاحقا بمعظم مناطق العالم. بعد التراجع الكبير في أسعار النفط في منتصف عام 2008، قام البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتقديم برنامج التيسير الكمي الذي انطلق في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه في محاولة منه لدعم اقتصادهم المتداعي. ساعد تدفق الأموال الرخيصة ــــ جنبا إلى جنب مع التخفيض الكبير في إنتاج "أوبك" ــــ في دعم أسواق النفط، التي بدأت في التعافي بعد شهر أو شهرين ولم تتراجع أبدا مرة أخرى حتى وصلت إلى أعلى مستوى لها في عام 2011.
في حين أن السبب وراء تراجع الأسعار الحالي يعود بدرجة كبيرة إلى أساسيات السوق. ويظهر هذا بشكل جلي وواضح في العلاقة بين أسعار خام برنت ومؤشر داو جونز الصناعي، حيث انخفض معامل الترابط بينهما بشكل كبير إلى 71 في المائة في العام الماضي من أكثر من 78 في المائة في عام 2008. أسعار النفط لم تعد تتحرك بتناغم مع حالة الأسواق المالية في العالم. أسواق النفط العالمية متخمة بالإمدادات، وإذا حكمنا من خلال رد فعل "أوبك" على الوضع من خلال قرارهم في اجتماع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نلاحظ أنه من غير المرجح أن يكون هناك أي خفض طوعي كبير في الإنتاج العالمي. والسبب وراء ارتفاع إمدادات النفط العالمية هو زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الذي ليس من المتوقع أن يستقر قبل عام 2020. هذا المستوى من وفرة الإمدادات لم يكن متاحا في عام 2008.
وبطبيعة الحال، ستحد الأسعار المنخفضة من إمدادات النفط الصخري، ولكن مع ارتفاع أسعار النفط في نهاية المطاف، سيرتفع إنتاج الصخر الزيتي مرة أخرى، ما يضع ضغوطا تنازلية على أسعار النفط من جديد. لهذا السبب فقط في أحسن الأحوال سيكون انتعاش أسعار النفط في هذه المرة على شكل U، لكن من المرجح أكثر أن يكون التعافي على شكل L حيث إن كل محاولة لرفع الأسعار ستصاحبها قفزة في الإمدادات العالمية، ما يؤدي إلى تذبذب الأسعار في نطاق ضيق في المستقبل المنظور.