كيف يرضى العرب الأقحاح بتسليم وطنهم للفرس؟

تقوم قوات التحالف بقصف جوي على معاقل الحوثيين والمنقلبين على الشرعية في اليمن منذ أسبوع تقريبا. وهذه الضربة التي أتت مفاجئة للأعداء، والمراقبين، والمحللين على حد سواء كشفت لنا كثيرا من الأمور، وأظهرت لنا عددا من الحقائق التي كانت غائبة عنا وسوف أسرد بعضا منها في مقالي هذا.
اتضح من خلال هذه الضربات ضعف الاستعداد العسكري، والخبرة الميدانية، والمعلومات الاستخباراتية للحوثيين ولقوات المخلوع صالح، التي كنا نتوقع أنهم عندما قاموا بمغامرتهم المتهورة أنها نتيجة لوجود قوات عسكرية مجهزة، وتنظيم عسكري ذي فاعلية. توقع البعض أن تمددهم على الأرض قبل "عاصفة الحزم" نتيجة خبرة ميدانية واستعدادات عسكرية إلا أنه اتضح ضعفهم وقلة حيلتهم حتى أن البعض أشفق عليهم.
اتضح أيضا ضعف جهازهم الاستخباراتي الذي لم يستطع أن يمدهم بأبسط المعلومات عن تقدير قوة أعدائهم لدرجة أنهم هددوا بدخول السعودية قبل أن يستولوا على عدن، لأن في ظنهم أن الجزيرة العربية تحصيل حاصل. وعمل الحوثيين في بلادهم يشابه فعل التتار من قبلهم، إلا أن التتار لم يخربوا بيوتهم بأيديهم، كما نعذر التتار أيضا لأنهم أمة لا دين لها، بينما هؤلاء يقاتلون باسم الدين ويبدأون كلامهم بسم الله ويختمونه بالصلاة على رسول الله ويدعمون مقولاتهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
الضعف العسكري والاستخباراتي الذي تكشف بعد "عاصفة الحزم" يضاف إلى ضعفهم السياسي الذي اتضح من أول يوم دخلوا فيه صنعاء حينما قامت جميع الدول بسحب سفاراتها من العاصمة نرى أن ذلك لم يردع الحوثيين ولم يوقفهم لدراسة ما قاموا به. فلو أن لديهم أبسط مبادئ السياسة لتوقفوا قليلا، فالعاصمة بين أيديهم والدولة بكامل مؤسساتها تدين لهم وهي فرصة لهم لا أظنهم كانوا يحلمون بها، فطالما أنهم سيطروا على العاصمة فهذا يعني أنهم أصبحوا حكاما. كان يتعين عليهم أن يفكروا كقادة دولة وليس كرؤساء عصابات بأن يثبتوا الأمن ويسيروا أمور الناس ويربطوا أنفسهم بالعالم الخارجي وفي مقدمتهم جيرانهم، فدول الخليج ليس لديها مشكلة مع المذهب الشيعي، فهناك مواطنون شيعة يتقلدون في دول مجلس التعاون أرفع المناصب ويديرون أكبر المؤسسات ويدرسون في الجامعات.
كما أن دول الخليج لها علاقات مع دول تخالفهم تماما في الملة والدين، بل إن لهم علاقات مع دول ليس لها دين وهذا هو التصرف الرشيد، فلا يمكن لدولة أن تدير مرافقها في عالمنا المعاصر وهي منغلقة على نفسها، فالعالم أصبح كتلة واحدة، فمن يرد النجاح فليبن علاقاته مع من حوله ويتواصل مع دول العالم. إلا أن الحوثيين لم يفطنوا لهذا؛ نتيجة ضعفهم السياسي وقلة خبرتهم في العلاقات الدولية، ولأنهم تربوا على أن يكونوا عصابات ومخربين لا قادة دول.
ألا يعلم الحوثيون أن أول ما يحتاجون إليه هو الدعم الإقليمي وفي المقدمة دعم المملكة العربية السعودية، بعد ذلك يأتي الدعم الدولي ليس من إيران، فإيران لا تصدر إلا الثورات والمآسي، بل من الدول المحورية حول العالم. ألا يعلم الحوثيون أنهم يحتاجون إلى التعاون الدولي في بناء دولتهم وتنظيم مؤسساتهم ومدهم بالخبرات الإدارية والدعم المالي والمساعدة في وقت الأزمات؟ لهذا كان يتعين عليهم أن يفكروا بفكر الدولة ويتخلوا عن فكر الميليشيات والعصابات.
كما تبين ضعفهم السياسي من أنهم لم يدركوا أهمية موقعهم الاستراتيجي للعالم كله والمتمثل في إطلالة بلدهم على مضيق باب المندب. فقد تضرر العالم من القرصنة الصومالية قبل عدة سنوات نتيجة الظروف الأمنية في الصومال ولهذا فلن يتركهم المجتمع الدولي يعيقون حركة الملاحة في ذلك الجزء من العالم، كما أنهم لم يبدو حسن النية، بل خالهم الطيش وظنوا أن لا رادع لهم.
تبين أيضا ضعف قدراتهم وحضورهم الإعلامي، وهذه نتيجة طبيعية لقلة الخبرة السياسية، وهذا الذي أوقد لهم العداء، ليس فقط على مستوى الدول، بل على مستوى الشعوب ومن ضمنها الشعب اليمني في الداخل وفي الخارج. فها هو رجل أعمال يمني يقيم في ماليزيا يدفع 20 مليون دولار لمن يأتي بعبدالملك الحوثي والمخلوع صالح. انظر إليهم عندما يتصدرون الإعلام، تراهم يشتمون ويقدحون ويصفون كل من يعاديهم بصفات هم يحملونها كالغباء والحماقة والكذب ونقض العهود، وكأنه حلال عليهم الكذب والحماقة والعمالة وحرام على غيرهم. فالرئيس الشرعي للبلاد هادي في نظرهم عميل ودمية تحرك من الخارج، بينما هم يعلنون صراحة ولاءهم لإيران.
وأريد أن أتوقف هنا عند إيران لنرى نتائج تدخلها في دول الجوار العربي. هل من الممكن أن تذكروا لنا دولة واحدة من الدول التي دخلتها إيران استقرت سياسيا أو أمنيا أو اقتصاديا؟، فهذه العراق كما ترونها منذ أن دخلتها إيران بعضها يموج في بعض. وهذه سورية الشام انظر كيف يعبث بها الإيرانيون عندما دخلوها بخيلهم ورجلهم من الشرق وقابلهم حليفهم حزب الله من الغرب. وها هي لبنان لم يستقر لها حال طالما حزب الله الموالي لإيران يعيث في الأرض الفساد. بل إن إيران لا تعرف شيئا اسمه تطوير وتنمية، نتيجة اصطناعها الأزمات وتتبعها الكوارث والمدلهمات حتى نسيت شعبها وأهملت تنمية بلدها. نحن نعرف والعالم كله يعرف أن تدخل إيران في بلاد العرب بهدف قومي وعنصري يغطونه بالطائفية الدينية، فيستغلون الحس الديني للعرب الشيعة من أجل إعادة دولة فارس. وإننا نتساءل، كيف ينطلي هذا على أهل اليمن؟ وكيف يرضى العرب الأقحاح بتسليم بلادهم للفرس بعد أن تبين لهم حقيقة أنهم - أي الإيرانيين - يحاربون باسم الإسلام وليس من أجله.
لا نقبل بيع الأوطان لا من عرب المشرق ولا من عرب المغرب، ولكننا نربأ بالعرب الأقحاح في أرض اليمن من هذا الصنع المشين. أقول لهم، ارجعوا إلى أنفسكم وعودوا إلى أمتكم وضعوا أيديكم في أيدي جيرانكم بشيعتكم وزيديتكم وقيمكم وأعرافكم، فهذا أجدر لكم من الحرب بالوكالة من أجل إيران الفارسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي