الخليج العربي .. منذ سيدنا آدم
منذ معركة القادسية التي انتهت في تشرين الثاني (نوفمبر) 636 (شعبان 15هـ) بدحر الفرس وانتصار الجيش العربي الباسل بقيادة سعد بن أبي وقاص، والأحقاد الإيرانية الفارسية تترامى هنا وهناك ضد عالمنا العربي.
إن إيران هي الدولة التي تؤمن السلاح والمال إلى المتمردين في تخوم سورية والعراق ولبنان والبحرين واليمن، وتدعوهم إلى التمرد والإغارة على أنظمة الحكم والمطالبة بتغيير الأنظمة برمتها، كما أن الحكومة الإيرانية تعلن الحرب الخفية في الخليج العربي وتطرح في هذه الأيام قضية مسمى "الخليج الفارسي" في مقدمة أجندتها السياسية، وتعتبرها قضية قومية تتفانى في الذود عنها بكل قواها، بل استخدمت الحكومة الإيرانية أخيرا أساليب استفزازية متعددة لتوقيع العقوبات على كل من يستخدم مصطلح "الخليج العربي" بدلا من "الخليج الفارسي"، ولقد نال شركات الطيران الأجنبية والسياح الذين يزورون إيران نصيبا من عقوبات مذلة نتيجة استخدام مصطلح الخليج العربي.
إن الخرائط التي تعتمد عليها إيران وتوزعها على العالم بغية إقناعه بفارسية الخليج هي خرائط رسمتها بريطانيا العظمى ضمن مخططها المشبوه الرامي إلى إشعال الحرائق والفتن في المنطقة، ونسيت أن تصميم هذه الخرائط لا يتجاوز مئات السنين، بينما الوجود العربي في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية يتجاوز ملايين السنين.
إن سيدنا آدم وهو أبو البشرية ظهر في جزيرة العرب والتقى أمنا حواء في جدة أو عرفات، وإذا كانت المنطقة قد سميت ــ فيما بعد ــ باسم الجزيرة العربية، فإن آدم عربي، وإذا كان آدم عربيا فإن العرب وجدوا في الجزيرة العربية قبل الفرس وسكنوا الخليج العربي قبل الفرس بملايين السنين، فكيف يخرج علينا من يطلق على الخليج اسم الخليج الفارسي وليس الخليج العربي؟!
نحن في هذا المقال نلتزم بالموضوعية العلمية لهذه القضية بعيدا عن عواطفنا العربية حتى نستطيع أن نقنع بأن الخليج العربي هو خليج عربي من جذوره الأولى قبل أن تقفز عليه الدولة الفارسية القديمة والجديدة وتخلع عليه اسم الخليج الفارسي.
يؤكد الكثير من المصادر العلمية أن القبائل التي استوطنت شواطئ الخليج العربي الجنوبية والشرقية كلها كانت قبائل عربية، وأن منطقة الجزيرة العربية قد شهدت ولادة الكثير من الحضارات القديمة، وترتب على ذلك أن الأسماء التي عرفت بها المدن الواقعة على سواحله مثل المحمرة وتاروت وجزر موسى وقيس والشيخ شعيب وغيرها كانت هي أيضا أسماء عربية، وما زال الكثير منها حتى الآن يحتفظ بالجنس العربي واللسان العربي والانتماء العربي رغم أن الفرس غيروا ــ عبر التاريخ ــ الكثير من الأسماء العربية في الضفة الشرقية من الخليج، وآخر ضحايا العدوان الفارسي على الإمارات العربية وليس آخرا هو الانقضاض على المحمرة التي قام بها في عام 1925 شاه إيران الأب واعتقل على إثره الزعيم العربي خزعل علي الذي ما زال مصيره سرا من أسرار الحكومة الشاهنشاهية البائدة، ثم أخيرا احتلال حكومة الملالي جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، إضافة إلى جزيرة أبي موسى الإماراتية، وفي هذه الأيام تشهد الأهواز العربية المغتصبة انتفاضات تطالب باستقلالها وعودتها إلى الحضن العربي الأصيل.
ولقد كان للعرب ــ عبر العصور المختلفة ــ دورهم الأساسي في تحقيق الازدهار الاقتصادي بالخليج، وذلك بسبب تميزهم بعديد من المهارات في مياه الخليج وبالذات في الصيد وتجارة اللؤلؤ، كما أن تأثيرهم لم يكن تأثيرا عابرا، بل كان له سمة الاستقرار الثقافي والديمومة والرسوخ.
ومنذ مطلع التاريخ القديم كانت بابل وآشور وأكاد وعيلام وهم ذوو جذور عربية من أوائل الإمبراطوريات التي احتكرت التجارة الدولية في رأس الخليج حتى ساحل البحر المتوسط الشرقي، حيث ازدهرت الحياة في هذه المنطقة وعم الرخاء قبل ظهور الفرس في أي بقعة من الكرة الأرضية.
ورغم أن بعض المصادر الغربية دأبت على إطلاق اسم الخليج الفارسي على الخليج العربي اعتمادا على الاحتلال الفارسي المتأخر للخليج الذي أعقب فترات الحكم العربي الأولى، إلا أننا نلاحظ أن المؤرخ الروماني بليني استخدم في القرن الأول للميلاد مصطلح الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجح الباحثون أنها مدينة المحمرة، وقال بليني بالنص: خاراكس مدينة تقع في الطرف الأقصى من "الخليج العربي"، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزا من العربية السعيدة وهي مبنية على مرتفع ونهر دجلة إلى يمينها ونهر أولاوس إلى يسارها..
ونتيجة لذلك فلقد نجح البريطانيون في تأجيج الصراع بين العرب والفرس على مسمى الخليج العربي والخليج الفارسي، وحينما كانت جامعة الدول العربية في قوتها حتى قبل أن تستقل دول الخليج وتنضم إلى الجامعة .. تصدت الجامعة للموقف الإيراني وأصدرت قرارا برقم 2073 في عام 1962 أهابت فيه بجميع المنظمات والفعاليات الدولية بضرورة استخدام المسمى التاريخي الصحيح للخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي، ولقد أودعت الجامعة العربية في حينه نسخة من هذا القرار لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وهكذا تستمر إيران في تأجيج مواقفها من الدول العربية بدءا بفرض مسمى الخليج الفارسي، ثم احتلال جزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى)، وانتهاء بإرسال المال والسلاح إلى الدول العربية من أجل نشر الفوضى في ربوع سورية ولبنان والعراق والخليج العربي بعامة.