رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«عاصفة الحزم» وانتقادات غير نزيهة

استهان ملالي إيران وأصحاب النفوذ فيها، ومن دار في فلكهم أو اقتنع وحمل مبادئهم وعقائدهم، من جماعات وميليشيات تحمل أسماء شتى، استهانوا بحلم وقدرات هذه البلاد فازدادوا مع مرور الأيام طغيانا وفسادا. وظنوا أن لا قبل لأحد بهم، وأنهم ماضون في توسيع هيمنتهم وعدوانهم على البلاد والعباد.
لكن ظنونهم خابت. وانطلقت عاصفة ينطبق عليها قول العرب، "اتق شر الحليم إذا غضب". انطلقت لتعلن منهجا جديدا في التعامل مع من يتربص بنا الشر. أحسب هذه العاصفة ما سيتحدث عنه التاريخ بفخر وعزة لملك هذه البلاد وقادتها وجيشها ومن عاونهم.
يجد القراء في وسائل الإعلام كتابات وتعليقات أفراد وفئات يغيظهم ما وقع، فئة تقلب طرح الحقائق وتفتري في تفسير الأحداث. ساءهم ما حدث، فطفقت تطرح رؤى وتفسيرات بعيدة عن الموضوعية والنزاهة وتوخي العدالة. تشم فيها رائحة تمني زوال الخير عن هذه البلاد وأهلها. أولئك الأفراد والفئات ينطبق عليهم كثير ما جاء في سورة التوبة في وصف المنافقين، أذكر منها قوله سبحانه، "إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون".
أولئك قوم تنكروا للموضوعية والنزاهة. اعتبروا أنفسهم موكلين عن الشعب اليمني، قد أخذوا رأيه وثبت لديهم قبوله بما عمله الحوثيون في بلدهم، وبناء على ذلك اعتبروا أنفسهم ما اعتبروا، ولكنهم قوم كاذبون ومضللون.
من علامات ابتعادهم عن الموضوعية والنزاهة تجاهلهم التام للأخطار المحدقة بنا في حال تهاوننا عن حرب الحوثيين. وكأنهم لا يفقهون شيئا عن خطر أو تهديد من الحوثيين أو من يتهم بمساعدتهم.
نبين لهم الأخطار والمفاسد من الوضع القائم قبل الحرب، والأخطار المحيطة، ونقرأ عليهم شيئا مما عملته إيران وأتباعها. لكنهم سرعان ما يتناسون كل هذا، وأصبحوا مثل مسوقي السلع، بدلا من توخي الحقيقة.
من علامات الموضوعية في النقاش، التثبت - تحري الصدق - نقل آراء الخصم كما هي تماما، أي كما لو أن الناقل هو الخصم نفسه - اتباع منهجية في النقاش والحوار مع الخصم كما يحب الآخر أن يتبع معه الخصم. وغيرها كثير من علامات الموضوعية والنزاهة في النقاش والجدال. وكل هذا لا تجده عند المنتقدين للعاصفة.
من العبارات التي تسمعها بكثرة من المنتقدين عبارة "وينكم عن كذا وكذا".
والمقصد أن القائل إذا لم يعجبه طرح من الطروح أو تصرف من التصرفات، قال وينك عن مشكلات أهم، وينك عن كذا وكذا. زعيم ما يسمى حزب الله قال نحو ذلك.
على هذا المنطق العجيب، إما أن يعمل الواحد كل شيء أو لا يعمل أي شيء.
بهذه الطريقة التبريرية للإبقاء على الوضع، يمكنني انتقاد أي طرح ورأي بحجة أن هناك ما هو أهم وأولى منه بالطرح.
مثلا لو اقترح إنسان حل مشكلة من المشكلات، لأمكن أن يقال للمقترح وينك عن كذا وكذا ما هو أهم وأولى. وهكذا ندور في حلقة مفرغة، ولا نعمل شيئا أبدا.
من المؤكد أن كل واحد وكل جماعة وكل دولة، فيها أشياء تعمل وأشياء تترك لعجز مثلا أو لوجود محاولة سابقة جرت فشلا. ومن يستعمل منطق وينك عن كذا وكذا ينبغي أن يطبق منطقه على نفسه، قبل الآخرين. يعني عندما يعترض على تصرف من التصرفات، فلنا أن نرفض اعتراضه؛ لأنه أكيد فيه أشياء سيئة أخرى ما اعترض عليها. والعكس بالعكس. عندما يعمل شيئا أي شيء، فمن السهل أن ينتقد هذا العمل، بحجة أن هناك أعمالا أولى. يمكن أن يقال له، لماذا لم تعمل كذا وكذا وهو أولى بالعمل. وهكذا يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة.
وبالمناسبة، كثير من المتعاطفين مع دولة الاحتلال اليهودية إسرائيل يستخدمون الأسلوب نفسه للدفاع عن ادعاءات دولة اليهود في القدس، حيث يقولون بما معناه وهل انتهت مشكلاتكم يا عرب وما بقي إلا القدس؟
الأولى أن ننظر إلى موضوع النقاش نفسه. المفروض والمنطق أن يناقش الفعل كما هو صح أو لا. مناقشة وجود أفعال أخرى أولى أو ليست أولى قضية أخرى.
علما بأن هناك مبدأ شرعيا وهو مبدأ متفق عليه بين البشر، النفس والأقربون أولى. وهذا يعني أن سعينا للدفاع عن أنفسنا أو عن الأخطار المحدقة بنا أولى شرعا وعقلا من محاولتنا الدفاع عن غيرنا.
وفي النهاية أجد من الفائدة الإشارة إلى فكرة أو نظرية أساسية شهيرة في علم النفس، تسمى "الخطأ الأساسي في العزو" The fundamental Attribution Error الذي استخلصها جونز (1979)، بعد تقصٍ ودراسات عديدة، حيث انتهى إلى أن الناس حين يحاكمون تصرفات غيرهم، فإنهم يعزون أسباب التصرف إلى الأشخاص ويتجاهلون الحالة والظروف التي كان الأشخاص المعنيون واقعين تحتها.
وبالله التوفيق..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي