رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل الإسلام في خطر؟

العنوان قد لا يتطابق مع متن المقال. هذا ليس أمرا مستبعدا في الكتابة الصحافية. الخطاب الإعلامي فيه الكثير من عدم التطابق، منه ما يتقصده صاحبه أو تفرضه عليه الوسيلة الإعلامية التي يشتغل فيها.
صناعة الخطاب الإعلامي مهنة فيها الكثير من التحبب والنزاهة، وفيها أيضا الكثير من الإجحاف والانحياز والتحامل والتحزب.
وفي هذا لا فرق بين إعلام شرقي أو غربي، ولا فرق بين خطاب ديني أو مدني. ولكن كيف لنا التحسس أن الخطاب نزيه أو منحاز إذا كان كل واحد منا يرى أن ما لديه من عبارات ولغة وجمل ومفردات أثمن وأسمى وأفضل مما لدى الآخر؟
غالبا ما نفشل أولا في مواجهة أنفسنا ومن ثم مواجهة المتلقي، لا سيما المختلف عنا. وهكذا نرى أن ما لدينا واضح المعالم وصحيح والخطاب الذي نستخدمه للتعبير عنه نزيه ونتصور أننا دائما نضع النقاط على الحرف فيما نقوله أو نكتبه. وإن حدث ولم يفهمنا الطرف المخالف لنا نحكم عليه بالجهل أو بتبني فكر أو مذهب أو دين يفتقر إلى القدسية التي لدينا، أو كونه متخلفا عن اللحاق بركب الحضارة والتمدن.
راودتني فكرة عنوان مقال اليوم وأنا في مؤتمر نناقش فيه التوصيفات الخطابية التي يستخدمها الإعلام الغربي في شؤون تتناول العرب والمسلمين.
هناك زيادة مضطردة في أعداد المسلمين في الغرب، ولكن قلما يشكلون نسبا ذات تأثير في تغير أي معلم أو أسلوب حياة لأي من المجتمعات التي يوجدون فيها. ومن ثم أغلب المسلمين في هذه البلدان من الطبقات المسحوقة. فهي محشورة في الغالب في مجاميع أو أحياء سكنية فيها نسبة البطالة عالية جدا، أي أنها فقيرة ولا تملك المال والسلطة كي تؤثر في المجتمعات التي تعيش في كنفها.
ولكن التوصيفات الخطابية في الغرب تظهرهم وكأنهم بعبع رهيب في طريقه لإزاحة الكل والسيطرة على مقاليد الحكم، بينما سواد المسلمين أناس مسالمون بودهم الاندماج في المجتمع والحصول على وظائف تؤمن لهم ولعائلاتهم كرامة العيش شأنهم شأن الآخرين.
والذين استطاعوا الوصول إلى مناصب أو وظائف أيا كان مستواها تراهم لا يقلون في إخلاصهم لعملهم ومجتمعهم عن أقرانهم من سكان البلد. في السويد مثلا هناك أطباء مسلمون يشار إلهم بالبنان منهم من يدير مستشفيات حكومية كبيرة أو عيادات في شتى الاختصاصات، ومنهم من التحق بسلك الشرطة أوانضم إلى الجيش.
عندما نحاول تقديم حلول لأمراض اجتماعية أو سياسية أو ثقافية يعانيها أي مجتمع، علينا أن نحل إشكالية الخطاب والتوصيفات التي ترد في الإعلام أولا ومن ثم الكتب المدرسية والمنهجية ثانيا.
التوصيف الخطابي الذي يضع أتباع دين برمته أو مذهب برمته في قالب سلبي لا بد أن ينشئ جيلا يتفاعل مع خطاب هكذا ويتصرف بموجبه لأن الخطاب مرآة الحياة والحياة لا نستطيع التعبير عنها إلا من خلال الخطاب.
برزت في الغرب توصيفات لغوية غير حميدة تجعل من المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم وطرقهم وكأنهم كتلة واحدة، وأنه بإمكان إمام أو شيخ أو مقترف عمل إرهابي تمثيلهم جميعا دون استثناء.
وهكذا لا يتورع البعض من كبار الصحافيين أو حتى السياسيين من القول "إنهم (المسلمون) يريدون تغيير طريقة حياتنا" أو النظر إلى مجموعة إرهابية أو أعمال إرهابية محددة يقوم بها نفر من المسلمين وتوصيفها خطابيا وكأن القائمين بها هم المسلمون جميعا.
وأظن أن داء التوصيف الجمعي غير الحميد الذي يرى أصحاب دين أو مذهب أو فكر مختلف وكأنهم مجموعة واحدة متجانسة دون فروقات تذكر، بدأ يقتحم الخطاب العربي أيضا لا سيما الإعلامي منه.
استخدام توصيفات خطابية مذهبية أمر خطير، ورغم خطورته لا يتورع بعض الإعلام المؤثر من استخدامه وتكراره. كنت وما زلت قارئا نهما للعربية ولكنني لم أصادف تعابير مثل "سني وشيعي ورافضي وناصبي وكافر... إلخ" بهذا الشكل البارز والكثيف الذي يقسم فيه المسلمون أنفسهم إلى أخيار وأشرار، إلا في السنين الأخيرة لا سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
هل الإسلام في خطر؟ كلا. الإسلام أو أي دين أو فكر آخر لا يجوز جمعه وتوصيفه من خلال شخص أيا كان أو مجموعة أيا كانت أو مذهب أيا كان. بيد أن الخطاب الدارج إن في الشرق أو الغرب خطاب جمعي تجريدي عمومي لا يقبل أن يضع النقاط على الحروف.
خطاب "إما معي أو ضدي" يؤدي إلى التهلكة. كل خطاب ثنائي التوجه يشكل خطورة أولا على مستخدمه قبل المستهدف به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي