رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


القوة في مدلولها المعنوي والمادي

لا يمر يوم إلا ونسمع في وسائل الإعلام تصريحا لمسؤول عربي يوجهه إما للأمم المتحدة، أو للمجتمع الدولي يطالبهما فيه بتحمل المسؤولية إزاء الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين، أو ما يحدث لمسلمي إفريقيا الوسطى على أيدي الجماعات المسيحية بدعم من فرنسا، أو المجازر التي يرتكبها النظام السوري في حق السوريين، أو بشأن مجازر المسلمين في ميانمار على أيدي البوذيين. في كل مصيبة تحل بالعرب والمسلمين ولا يمر يوم إلا وتحدث، نسمع مثل هذه المناشدات والاستجداءات ويحق لنا أن نتساءل بصوت عال: من هو المجتمع الدولي الذي ينادى ويستنجد به؟!
المجتمع الدولي مجهول، وغير محدد، فكل دول العالم يفترض أنها تشكل المجتمع الدولي لكن الواقع يقول إن الفاعل، والمؤثر منها محدود، ومقتصر على من يمتلك القوة بكل معانيها المعرفية، والاقتصادية، والعسكرية، والإعلامية، وكذلك السياسية. كل هذه تشكل معاني القوة والمنعة، ولذا لا نجد وزنا للدول الضعيفة في مداولات مجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة، وتتخذ القرارات دون إرادتها حتى في الأمور التي تخصها.
خلال عقود وأمتنا مجتمعة ممثلة في هيئاتها كرابطة العالم الإسلامي، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو جامعة الدول العربية، وكذلك الحكومات لا تكف عن مناشدة المجتمع الدولي لتحمل المسؤولية حتى أصبحت لا تضيف جديدا، بل إنها مع مرور الوقت تكرس حالة العجز، الغريب في المؤسسات الرسمية سواء كانت عربية أو غير عربية وهي توجه نداءاتها للمجتمع الدولي تتجاهل حقائق عقدية، وتاريخية، وحقائق المصلحة، فالعالم الذي تتم مناشدته ليس مؤسسة خيرية مهمته نجدة الآخرين وعونهم، بل إن تحركه مرهون بمفهوم المنفعة ولا غير، فلا القيم، ولا المبادئ، ولا المشاعر الإنسانية لها حضور في العلاقات الدولية، ومن يقول خلاف ذلك فهو منكر للحقائق.
الإصرار على تجاهل الحقائق العقدية المتمثلة في الصراع، وعدم الرضا حتى نتبع ملتهم، إضافة إلى تجاهل حقائق التاريخ في الحروب التي شنوها ضدنا المتمثلة في الحروب الصليبية، واستعمار الكثير من أوطان العرب، والمسلمين، مع نهب الثروات، والسعي لتغيير شخصية الأمة، وتشويه ثقافتنا، كل هذه تجعل مناداتهم، والطمع في عونهم كمن يجري وراء السراب، أو كما قال الشاعر:
والمستجير بعمرو حين كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
الإمكانات التي بحوزة العالم العربي كثيرة، ولا حدود لها، لكنها معطلة، ولم تدخل ضمن حسابات الصراع، أو التنافس الدولي على الصعيد العالمي، وربما السبب يعود في الأساس إلى أن الدائرة التي رسمناها لأنفسنا ضيقة، ومحدودة بحدود الوطن، أو الإقليم، لكنها لا تتسع لتشمل الساحة الدولية، وهذا قصور في التفكير الاستراتيجي يترتب عليه محدودية الأهداف، وضمور الهمم، وعدم السعي لتوفير الإمكانات المطلوبة لإنجاز المهمات، وتحقيق الأهداف.
شعراؤنا السابقون كانوا يتباهون بمجد الأمة وأسبقيتها ومكانتها بين الأمم كما عبّر الشاعر في قوله:
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
كما أن مفكري، ومثقفي، وشعراء الوقت الراهن سعوا لاستنهاض الأمة من خلال البحث عن مواطن القوة النفسية، والأمجاد التاريخية، سعيا لضخ روح التفاؤل، وإعادة الثقة في نفوس أبناء الأمة بعد الدمار الذي أصابها نتيجة الفرقة، والنزاع، والخضوع لهيمنة الآخرين، وسطوتهم لفترات ليست قصيرة، خاصة خلال فترة الاستعمار الكريهة التي أفقدت الأمة الكثير من قدراتها، وإمكاناتها التي نهبها المستعمر، إضافة لتشويهه تاريخ الأمة، وزرع روح الهزيمة في النفوس، وهذا المؤمل من القيادات الفكرية في أي أمة، ومجتمع المسارعة لاستنهاض الهمم وإعادة زراعة الثقة، وإحياء الأمل.
حالة ضعف العرب والمسلمين، وتراجعهم على مختلف الصعد لم تأت من فراغ، بل لها أسبابها الموضوعية، ويأتي على رأسها طريقة التفكير الرسمية التي تتمركز غالبا في حدود ضيقة لا تتجاوز المصلحة الذاتية، ودائرة المحيطين لكنها مع الأسف لا تتعدى إلى مساحة أوسع، ولذا تكون الخطط، والبرامج محدودة بحدود طريقة التفكير الضيقة تلك، ما يجعل النتائج متواضعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي