الثقافة المرورية .. معوقات التنمية المستدامة

لا تزال الحوادث المرورية تشكل هاجسا كبيرا في بلادنا، وتحتل عبئا كبيرا في سبيل معالجة الآثار المترتبة عليها. وأصبحت فعليا أحد معوقات التنمية المستدامة بآثارها المباشرة وغير المباشرة في الصحة والاقتصاد. رغم أن الآلام التي تنتج عن هذه الحوادث تمس الأشخاص وأسرهم بشكل مباشر، إلا أنها ذات أثر متعد. أفقدت الوطن ثروة هائلة من شبابه، أرهقت الدولة كثيرا في آثارها المالية والصحية. أضحت كثير من المستشفيات تُشغل بنسب عالية من الحالات الناتجة عن الحوادث.
يذكر التقرير السنوي للإدارة العامة للمرور أن عدد الحوادث التي رصدت في عام 1430هـ يقارب 49 ألف حادث مروري سجلت أكثر من ستة آلاف حالة وفاة. كما تذكر الإحصائيات للعام ذاته أن 29.2 في المائة من الحوادث البسيطة والجسيمة وقعت في منطقة الرياض، تليها منطقة مكة المكرمة 23.2 في المائة، ثم المنطقة الشرقية 23.1 في المائة، تتبعها بقية المناطق بنسب مختلفة.
مناطق رئيسة تكاد تكون مشاريع البنى الأساسية مكتملة فيها تعاني أكثر من 75 في المائة من الحوادث، هذا دليل فعلي على أن هذه الحوادث أصبحت من أكبر معوقات التنمية المستدامة في بلادنا باستنزافها لطاقات بشرية هائلة، وتحميلها جهات أخرى أعباء وتبعات مرهقة.
لمعالجة آثار هذه الحوادث لابد من التعرف على أهم مسبباتها، خاصة أنها تزيد في المدن الأكثر تعليما وأكثر تنمية. وهذا مؤشر على أن برامج التوعية التي تقام والجهود المبذولة لا تؤتي ثمارها المرجوة، وهنا خلل آخر يتمثل في تبني نفقات عالية لا تعود بالفائدة المرجوة منها.
لا نعاني وجود الأنظمة الرادعة، ولكن خلل الثقافة المرورية الذي يسكن في مخيلاتنا يحرمنا كثيرا من تجاوز واحدة من كبريات مشكلاتنا. رقميا تقول البيانات إن ضحايا الحوادث المرورية يفوقون بكثير قتلى الحروب والكوارث في بلدان المنطقة.
الآثار الاقتصادية المترتبة على توفير الخدمات الصحية والمتابعات اللازمة لضحايا الحوادث، تؤكد أن التوعية ليست الخيار الناجح في هذا الوقت، وإنما يجب البدء في عمل خطة وطنية تساهم في حل أهم المعضلات التي تساعد على زيادة نسبة الحوادث بين الشباب. وتبني الحلول المناسبة والعملية التي ينتج عنها خفض واضح لهذه الحوادث، وما سيترتب عليها من عواقب ما زالت تمثل عبئا ثقيلا على مجتمعنا.
حفظ الله وطننا ومواطنيه من كل مكروه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي