رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مناقشات مضللة للأسعار دون معايير

ابتداء أود التأكيد على أن ما أكتبه لا أستهدف فيه رضا أو سخط مالك أو تاجر أو سمسار أو عارض أو طالب عقار، أو من له مصلحة في ارتفاع أسعاره أو انخفاضها. الهدف الموضوعية قدر الإمكان.
أتوقع أن يوافقني كثيرون على أن الأحاديث والكتابات في ارتفاع الأسعار عامة، وارتفاع أسعار العقار خاصة، واقعة تحت تأثير أمور كثيرة، وأركز هنا على ثلاثة:
الأول أن أكثرية الناس تحب من الكاتب أن يكتب ما تميل نفوسهم إليه.
الثاني سوء الظن. ومما يبين تغلغل ثقافة سوء الظن في مجتمعنا، أن الصديق عندما يمزح أمام مجموعة من الأصدقاء في تفسير تصرف أحدهم، فإن المعتاد عليه في مجتمعنا بناء التفسير المزحي على سوء الظن، لا حسنه.
الثالث قدرات وظروف الكاتب أو منتقديه أو مادحيه العلمية والعملية.
وتتداخل هذه الأمور في أكثر الأحيان.
مثلا، يقول أو ينقل متحدث أو كاتب عن أن سعر كذا في مدينة كذا أو دولة كذا هو أغلى من سعرها في مدينة كذا أو دولة كذا. ما قاله أو نقله مجرد خبر، ليس فيه تفسير أو تبرير لفروق السعر بين المكانين. ولكن بعض الناس، وبسبب سوء الظن، يرى في نقل الخبر رائحة تبرير. وللفائدة، أغلى تعني لغويا أعلى سعرا، بغض النظر عن المؤثرات في السعر.
النقاش الموضوعي للخبر المنقول يطلب فقط التثبت من درجة التماثل أو التشابه بين السلعتين أو الخدمتين ذاتهما. أما الاعتبارات الأخرى من دخل أو أجور يد عاملة أو سياسات احتكارية أو حكومية أو غيرها من عوامل مؤثرة في الأسعار، فمكانها عند مناقشة تفسيرات فروقات السعر وأسبابها.
ولزيادة التوضيح، لنفترض أن سعر علبه سلعة ما بحجم ومواصفات كذا في السعودية بريال واحد. لنفترض أن سعر السلعة المماثلة لها في بريطانيا ريالان. القول إنها في بريطانيا أغلى (أي أعلى سعرا) صحيح، لا طعن فيه. أما لماذا هي كذلك فموضوع آخر.
من جهة أخرى، كثرة من الناس، وبسبب سوء الظن، ترى بما لا يقبل الشك أن ما يورده كاتب من تفسيرات للغلاء أو الرخص (سواء كان مصدرها منهجية علمية اقتصادية أو لا)، على أنه رغبة شخصية في الغلاء أو الرخص أي أن له مصلحة في ذلك. قد يكون الأمر كذلك، ولكن الكاتب لم يصرح به. المبدأ الشرعي والقانوني أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وليس العكس، أي أنه ليس لنا أن نحاكمه على نوايا غيبية، لأننا لم نشق عن قلبه فنعلم حقيقة نواياه، إلا إذا كانت لدينا دلائل قوية في مكان آخر على تلك النوايا.
ولدينا مشكلة أخرى، خلاصتها عمل مقارنات مضللة في أسعار العقار. وحتى لا يطول المقال، سأتناول تضليلا في قياس القوة الشرائية وتضليلا في قياس تكلفة الوحدة السكنية. كيف؟
في الدول التي تشكل صادرات الموارد الطبيعية حصة الأسد في مصدر دخلها ودخل حكوماتها، يلحظ انخفاض نسبي في حصة الأجور (العمل) من الدخل مقارنة بنسبته في الدول الأخرى. وتؤيد الإحصاءات لدينا هذه الخصيصة.
حسب موقع مصلحة الإحصاءات العامة، ارتفع تعويض العاملين في القطاعين العام والخاص من 299 مليار ريال عام 2005 إلى 548 مليار ريال عام 2013، أي بزيادة 83 في المائة تقريبا.
في المقابل،ارتفع الإنفاق الاستهلاكي الخاص من 313 مليار ريال عام 2005 إلى 833 مليار ريال عام 2013 (المصدر موقع مصلحة الإحصاءات)، أي بزيادة نسبتها 166 في المائة تقريبا. وطبعا وقعت هذه الزيادة مع وجود تحويلات اليد العاملة غير السعودية، التي لا تنفق محليا، وإلا لكان الإنفاق الاستهلاكي أعلى.
أي أن الإنفاق الاستهلاكي الخاص وخلال الفترة نفسها أعلى كثيرا من تعويضات العاملين. ومن جهة أخرى، قد زاد زيادة لا تقل عن ضعف الزيادة في تعويضات العاملين.
السؤال التالي: ما تفسير ذلك؟
الاعتماد على أجور العاملين في القطاعين العام والخاص لقياس قوة الطلب أي الشراء مؤشر مضلل. ذلك لأن الطلب أو الإنفاق يعتمد على عدة عوامل أهمها الدخل الشخصي. ويمكن القول إن هناك نوعين رئيسين من الدخول الشخصية: دخل نشاط/عمل، ودخل دون أي عمل، أو ما يسمى الدخل السلبي. جزء كبير من الدخل السلبي لا يسجل في سجلات الهيئات الإحصائية، ولكنه قطعا مؤثر في حجم الاستهلاك والتفاعلات المحركة للأسعار.
ومن أمثلة الدخل الشخصي دون عمل أو نشاط الإعانات، ومكافآت الطلاب، والإعفاءات من القروض، وأعطيات الوالدين والدخل الناتج من الأوقاف والمواريث. ومن الأمثلة دخل الأسهم وتأجير العقارات، ولو أن البعض يعدها دخولا من أنشطة استثمارية.
من أمثلة الدخل الشخصي السلبي ما يأتي من الفساد. ومن الأمثلة أيضا العمولات التي يحصل عليها الكفلاء، أو ما يعرف باسم التستر.
وطالما أنفقت هذه الدخول السلبية، فإنها قطعا تؤثر في الطلب أي قوة الشراء، ومن ثم التضخم وارتفاع الأسعار.
أما التضليل في مقارنات تكلفة الوحدة السكنية، نظرا لضيق المجال هنا، فإني أشير إلى وجوب وجود معايير في مواقع ومساحة ومواصفات الوحدة السكنية ونصيب الفرد منها بالأمتار، ومن دون ذلك لا معنى للمقارنات بين الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي