تصحيح مؤشرات الإنفاق الصحي
تعتبر صناعة أو قطاع الرعاية الصحية من القطاعات الاقتصادية المهمة عالمياً. وتزداد أهمية هذه الصناعة مع استمرار ارتفاع أهميتها النسبية في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وارتفاع توظيفها الأيدي العاملة في كل مكان. وستسهم زيادة معدلات أعمار البشر واتجاه معظم التجمعات البشرية إلى الشيخوخة، وكذلك زيادة وعي سكان العالم، وارتفاع متوسطات دخول الأفراد في رفع معدلات نمو هذا القطاع، وزيادة مساهمته الاقتصادية في نواتج دول العالم المحلية. وتزيد مساهمة الإنفاق الصحي في النواتج المحلية الإجمالية لعدد من دول العالم المتقدم عن 10 في المائة. واحتلت الولايات المتحدة المقدمة في مؤشر نسبة الإنفاق الصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي بين دول العالم، حيث وصلت إلى 17.9 في المائة عام 2012م، كما تذكر بيانات البنك الدولي. من جهة أخرى، تنخفض مؤشرات نسب الإنفاق الصحي من الناتج المحلي إلى 4 في المائة أو أقل في بعض الدول النامية. وتنفق دول مثل منيمار نسبا متدنية تقل عن 2 في المائة من ناتجها المحلي على الرعاية الصحية، ومن الغريب أن نسب إنفاق دول مثل الكويت انخفضت إلى مستويات منخفضة وصلت إلى 2.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي عام 2012م. وقد يكون هذا عائدا إلى انخفاض الإنفاق الصحي على العمالة المقيمة وارتفاع نسبتها في عدد السكان، وكذلك تشكيل الشباب جزءا كبيرا من المواطنين. وتفيد بيانات البنك الدولي أن نسبة الإنفاق الصحي في المملكة وصلت إلى 4 في المائة من الناتج المحلي عام 2010م، ثم تراجعت إلى 3.2 في المائة عام 2012م (أو نحو 88 مليار ريال). ويعود التراجع في مؤشري نسب الإنفاق على الصحة بين العامين إلى نمو الناتج المحلي النفطي بقوة، الذي جاء بعد ارتفاعات أسعار النفط.
ولا تقتصر مؤشرات الإنفاق الصحي على النسب المئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بل إن هناك بيانات عن مستويات الإنفاق الوطني الصحي للفرد بالدولار الأمريكي. وتشير بيانات البنك الدولي إلى تدني مستويات إنفاق الرعاية الصحية للفرد إلى مبالغ زهيدة قد تصل إلى 15 دولارا سنويا في دول شديدة الفقر كالكونغو أو أريتريا. وتقل مستويات الإنفاق الصحي للفرد عن 100 دولار في معظم الدول منخفضة الدخل. وترتفع معدلات الإنفاق الصحي للفرد بعض الشيء في الدول الصاعدة، ولكنها أقل بكثير من معدلات إنفاق الدول المتطورة، التي تحتل المراكز المتقدمة لمستويات الإنفاق على الصحة بالنسبة للفرد. وتنفق معظم الدول المتطورة مبالغ تتجاوز ثلاثة آلاف دولار للفرد سنوياً. ويقارب أو يتجاوز الإنفاق الصحي السنوي للفرد تسعة آلاف دولار في الدول التي تحتل المراكز الثلاثة الأولى بين دول العالم في هذا المؤشر، وهي النرويج وسويسرا والولايات المتحدة. وتنفق حكومة النرويج بسخاء على الصحة، بينما يتحمل الأفراد والقطاع الخاص جزءًا كبيراً من الإنفاق الصحي في الولايات المتحدة، ويتركز الإنفاق الحكومي على الصحة في الولايات المتحدة على علاج كبار السن. ويتحمل الأفراد في سويسرا الجزء الأكبر من تكاليف التأمين الصحي. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن المملكة (حكومة وأفراداً) تنفق سنوياً نحو 800 دولار للفرد على الرعاية الصحية، ويعتبر هذا المستوى منخفضاً مقارنةً بمستويات إنفاق الدول المتقدمة.
ولا أعتقد أن نسبة الإنفاق على الرعاية الصحية في المملكة (أو مستوياته) تمثل الواقع الفعلي للإنفاق الصحي. ولهذا من الأولى للجهات المعنية مراجعة بيانات الإنفاق الصحي الإجمالية. وقد لا تشمل البيانات المزودة للمؤسسات الدولية جزءًا من إنفاق الجهات الرسمية الأخرى (غير وزارة الصحة) التي تنفق على الرعاية الصحية، كما قد لا تشمل أيضا جزءا من إنفاق الأفراد والقطاع الصحي على الرعاية الصحية سواءً في داخل المملكة أو خارجها. وتتحمل الجهات المعنية بالإنفاق الحكومي الصحي ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات حصر وتحديث بيانات الإنفاق الصحي بشكل كامل وأكثر دقة، وإيضاح الحقائق حول النسب المتدنية للإنفاق على الصحة في المملكة التي تظهر في بيانات البنك الدولي أو أي مؤسسات دولية أو محلية أخرى. من ناحيةٍ أخرى، لا تنفي بعض البيانات المحلية المتوافرة عن الإنفاق الصحي مستويات الإنفاق المنخفض نسبياً مقارنةً بالدول المتقدمة. ووصلت مخصصات وزارة الصحة والهلال الأحمر السعودي المالية إلى نحو 56 مليار ريال عام 1434/1435هـ (2013م)، وهو مبلغ كبير لكنه لا يمثل سوى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2013م. ولا يعرف بالتحديد حجم إنفاق القطاعات الأخرى أو القطاع الخاص أو الأفراد. وتتحمل وزارة الصحة المسؤولية الرئيسية للإنفاق على الخدمات الصحية كما أنها توظف الجزء الأكبر من الأيدي العاملة في القطاع الصحي. وقد شهد الإنفاق على الرعاية الصحية زيادات متوالية في السنوات القليلة الماضية، ومن المتوقع ارتفاعه بقوة خلال الأعوام المقبلة بسبب توجه الدولة لزيادة الإنفاق على القطاع الصحي، وكذلك متطلبات التأمين الصحي على العمالة المقيمة والوطنية، وزيادة الوعي الصحي بين المواطنين وتوجه الأفراد والمؤسسات لزيادة الإنفاق الصحي. لقد حدثت زيادة مؤكدة في مستويات الإنفاق على الرعاية الصحية في السنوات القليلة الماضية. وستسهم زيادة نسب الإنفاق الصحي ومستوياته في تحسن مؤشرات الرعاية الصحية للمملكة. وسيرفع هذا التحسن رفاهية المجتمع، خصوصا إذا استهدف الشرائح السكانية الأكثر استحقاقا.