هل نحول الصحراء إلى منتج سياحي؟
الكثير من الأوطان خاصة في منطقتنا العربية يمكن تصنيفها بأنها صحراوية، حتى الدول التي تجري فيها الأنهار كمصر، والعراق، والسودان، توجد فيها صحاري، وذلك كلما ابتعدنا عن مجاري الأنهار، ومواقع البحيرات، والسواحل. والربع الخالي، وصحراء الدهناء، والصحراء الكبرى، وسيناء، أمثلة على الصحراء التي يرد ذكرها في كتب الجغرافيا، وفي الأخبار، والبرامج. وفي أشعار من استوطنوها، أو من يعشقون أجواءها، كما ترد قصص مغامرات أناس في الصحراء انتهت باكتشاف مجاهيلها، وأسرارها، أو تكون النتيجة مأساة على صاحبها.
صحيح أن حياة الصحراء لا يمكن مقارنتها بحياة المدينة، فالصحراء تفتقد الكثير من مقومات الحياة، وأساسياتها، فلا ماء، ولا كهرباء، ولا طرق معبدة، ولا مدارس، ولا مستشفيات، ومع ذلك يوجد من يعشق العيش فيها، ولا يقبل الخروج منها، رغم المشقة، وشظف العيش الذي يلازم حياته.
في برنامج حول الصحراء الكبرى ينبهر المرء من قدرة ساكنيها على الاستمرار، والبقاء في الظروف التي لا يمكن وصفها بأقل من القاسية. ما السر في ذلك؟! هل هو عشق وهيام، أم ضرورة لا يمكن التخلص منها؟! البرنامج يعرض المشقة التي يتحملها الناس في توفير ضروريات الحياة التي لا غنى للناس عنها، كالماء على سبيل المثال، إذ يقطعون المسافات الطويلة مشيا على الأقدام لجلب الماء بصورة يومية. إلى وقت ليس بالبعيد كان الناس في بلادنا يجلبون الماء من الآبار، إما على الدواب، أو تحمله النساء على الرؤوس. أثناء مشاهدتي للبرنامج تساءلت، ما الذي يجبر هؤلاء على البقاء في ظروف قاسية؟!
تاريخيا ارتبط الإنسان العربي بالصحراء لأنها كانت مصدر رزق، وموردا اقتصاديا، حيث تربى المواشي، وينتج الحليب، والسمن، والحصول على اللحم، إضافة إلى إنتاج الملابس من الأصواف، والوبر، ولكن بعد أن تغيرت ظروف الحياة ووجدت موارد اقتصادية جديدة، ومغرية فقد هجرها الكثير من أبنائها، واستوطنوا المدن، وارتبطوا بالوظائف، والتجارة، والصناعة، لكن بقي من سكان الصحراء من يتشبث بالعيش فيها رغم صعوبة الحياة.
علاقة العرب بالصحراء علاقة قديمة، إذ كان الوجهاء، والأمراء يرسلون أبناءهم للصحراء بهدف تعليمهم اللغة العربية الفصحى لتجنيبهم العجمة، إضافة إلى اكتساب خصائص الفروسية، والشجاعة، والكرم، والخشونة، إذ إن العيش في الصحراء يصقل الشخصية، ويكسب الفرد خصائص لا يمكنه اكتسابها في حياة المدينة، وبما يتفق مع متطلبات القيادة.
مع ظروف التمدن التي شهدتها بلادنا، إلا أن علاقة إنسان الجزيرة لم تنقطع بالصحراء، ولعل ظاهرة المخيمات التي تنتشر وتحيط بالمدن تكشف شيئا من الحب، والحنين للصحراء، إذ يجدون فيها ملاذا وهروبا من ضغوط الحياة التي يتعرضون لها في حياة المدن من خلال التغيير، والخروج من نمطية الحياة التي يعانون منها في المدن. كما أن العشق وصل إلى حد نصب خيمة في المنزل، وكأن من يفعل ذلك يستحضر الصحراء لتكون جزءا من منزله. الهروب من حياة المدن إلى الحياة الخلوية ليس مقصورا على الإنسان العربي بل إنه ميل إنساني، ففي كثير من المجتمعات تنظم رحلات خلوية في الصحاري، والغابات، إذ يخرج الكثير من الناس إلى الصحراء، أو الغابات، وفي أجواء شديدة البرودة، والمبيت لكسر الروتين، والتغيير في الحياة لتجديد النشاط، والحيوية التي تعين الفرد على ممارسة عمله بكل همة.
التخييم حول مدننا ترتبت عليه نشاطات اقتصادية كثيرة من نصب للخيام، وتوفير للماء، وتقديم للكثير من الخدمات التي يحتاج إليها المتنزهون، ما ترتب عليه من فرص عمل جيدة. لكن السؤال الواجب طرحه، من الذين يقومون بهذه الخدمات، ومن هم الذين استفادوا من هذه الفرص؟! الواقع يكشف أن المواطنين مستهلكون للخدمات، ولم يستغل من يبحث عن فرصة عمل هذه الفرص حتى وإن كانت موسمية خلال فصل الشتاء، إلا أن من الواجب استثمارها لمن يبحث عن عمل بدلا من تركها للوافدين الذين يفرضون أسعارا باهظة للسلع، والخدمات التي يقدمونها.
هل الجهات الرسمية لها دور في تنظيم سوق العمل حتى وإن كان مؤقتا، وما هي الجهات المنوط بها هذا الدور، والذي لا تمارسه بل تركته في يد الوافدين يتصرفون به كما يشاؤون، المنتجات الصحراوية الاقتصادية كثيرة، فإضافة إلى ما سبق ذكره هناك الكثير من الرياضات الصحراوية التي لم نكتشفها حتى الآن، وفي حال تطويرها ستكون مصدرا اقتصاديا، وفرص عمل جيدة للسعوديين، وهذا ما يجب على هيئة السياحة الاهتمام به ليكون هناك برامج سياحية مرتبطة بصحرائنا الجميلة، علما أن هناك من سبقنا لذلك، رغم عدم توافر ما يماثل صحراءنا برمالها الذهبية وروضاتها، وجبالها، وأوديتها. فهل نتمكن من استثمار الصحراء بما فيها من مقومات وخصائص طبيعية إلى منتج سياحي نغري به الآخرين ونجذبهم للسياحة في بلدنا ونضيف دخلا إضافيا؟