العدل .. واستكمال خريطة الطريق
قد لا يعلم الدكتور وليد الصمعاني وزير العدل عن حجم الاهتمام والتساؤلات التي صاحبت اختياره وزيرا للعدالة في بلادنا، فهناك متفائلون بقدومه عطفا على سيرة الرجل ونشاطه السابق. وآخرون يتخوفون من حالة الصمت التي تعيشها الوزارة حاليا ويتمنون إلا تكون عودة إلى الوراء في ظل ما تم إنجازه قبل مجيئه من خطوات تطويرية بالغة الأهمية ليس من السهل التراجع عنها، هذا الاهتمام والتساؤلات هنا وهناك انعكاس طبيعي لتطور المجتمع واهتمامه بمشاريع القضاء التي لامست آثارها الإيجابية شرائح اجتماعية متعددة أخيرا.
يقتضي الإنصاف توجيه الشكر للدكتور محمد العيسى وزير العدل السابق وفريق عمله الاستثنائي في "مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء أو في "المجلس الأعلى للقضاء" فقد استطاعوا أن ينتصروا على أنفسهم ويتجاوزوا عراقيل متعددة، مكنتهم من الانفتاح على المجتمع، وإنجاز خطوات ملموسة على أرض الواقع في تطوير المنظومة القضائية خلال العامين الماضيين.
خطت الوزارة خطوات جبارة بتفعيل درجات التقاضي وتدشين منظومة "محاكم الاستئناف"، وهيكلة المحاكم العامة لمحاكم متخصصة منها محاكم الأحوال الشخصية، والمحاكم الجزائية، إضافة إلى العمل القائم لتدشين المحاكم العمالية، والمحاكم التجارية، وقدمت الوزارة جهدا غير مسبوق في قضاء التنفيذ أغلقت معه واحدة من أهم ثغرات ضياع الحقوق والمماطلة في تنفيذ الأحكام أعادت معه 40 مليار ريال لأصحابها في 11 ألف قضية بما فيها قضايا أسرية عالقة تتضمن أحكاما بالطلاق، والخلع، والإرث، والنفقة، عبر دوائر التنفيذ في أقل من عام على إنشائها.
انتصرت الوزارة للمرأة في "محاكم الأحوال الشخصية" باختصار إجراءات القضايا الأسرية بما لا يزيد على أسبوع واحد، والتوجيه بالحكم بالنفقة والطلاق والحضانة بصك واحد، وردع المتعنتين في تنفيذ أحكامها بالسجن والجلد، وإيقاف الخدمات عن طريق أقسام التنفيذ، ومنح المطلقة حق متابعة إجراءات أبنائها لدى الجهات الحكومية والأهلية، وهذا بحد ذاته أشاع جوا من الثقة والطمأنينة لدى آلاف الأسر التي كانت تحلم بالعدل وتراه بعيد المنال.
كان هناك اهتمام بالتقنية والأنظمة الإلكترونية، وبرامج تدريب الموظفين والقضاة، وتفعيل دور المحامين والمحاميات.
ما تحقق ليس كل ما نطمح به لوزارة ورثت تركات ثقيلة، بل هي خطوات أولية في طريق طويل للوصول إلى منظومة عدلية متكاملة، لكن كان هناك شعور بالارتياح أن الوزارة ماضية لإنجاز مشروعها التطويري وإنهائه في الزمن المحدد.
نتمنى من وزير العدل الجديد أن يكسر حاجز الصمت ويعلن للناس بوضوح عن خريطة الطريق في استكمال مسيرة التطوير ومتابعة كثير من الملفات المهمة في تطوير مهارات القضاة، وزيادة أعدادهم، وتفعيل آليات التفتيش القضائي وتقليص مواعيد الجلسات، وإنجاز مشروع المدن العدلية للتخلص من المباني المستأجرة للمحاكم، وتحقيق البيئة المثالية للتقاضي، وكذلك زيادة محاكم الأحوال الشخصية لتكون في كل مدن المملكة بدلا من بعض الدوائر الملحقة بالمحاكم العامة مع تأسيس نظام موحد خاص بها أسوة بالنظام الموحد لمحاكم الاستئناف، وإعطاء المحاميات فيها دورا أكبر لمساندة النساء وتقديم المشورة والدعم لهن باعتبارهن الطرف الأضعف في القضايا وما يرتبط بذلك من ضياع لحقوقهن وحقوق أبنائهن، وزيادة ودعم مكاتب الإصلاح الاجتماعي والإرشاد الأسري لتكون جزءا أساسيا من أنظمة محاكم الأحوال الشخصية للحد من قرارات الطلاق الانفعالية المتسرعة.
أمام القيادات العدلية فرصة تاريخية لاستثمار التفاعل الاجتماعي مع مشاريعهم بمزيد من الإنجازات فلا أجمل من السعي لتحقيق العدل.