نشر ثقافة العمل الحرفي أساس لمحاربة البطالة
وأعني بالأعمال الحرفية الأعمال التي لا تتطلب تأهيلا علميا عاليا.
تسعى جهات كثيرة إلى تشجيع ما عرف بثقافة العمل الحر. وللعمل الحر تسميات أخرى تعطي معاني متقاربة مثل الريادة أو شباب الأعمال أو دعم المؤسسات الصغيرة. والجامع بينها أو الهدف في الغالب أن العمل الحر أفضل من انتظار الوظيفة. والانتظار إما لأن الوظيفة غير متاحة أصلا وقت طلبها، أو هي حقيقة موجودة، ولكنها في حكم غير المتاحة لطالب الوظيفة لسبب ما، كتدني الراتب أو أن يكسل في استكمال متطلباتها أو يجهل مكانها أو كيفية الوصول إليها أو ينقصه فيتامين واو أو أو....إلخ من أسباب. ومن ثم جاء الانتظار، وقد يطول هذا الانتظار.
السؤال الجوهري التالي: علام الانتظار، وفي الوقت نفسه تستقدم البلاد الملايين على وظائف معروف وجود طلب قوي عليها؟ والكلام عن استقدام بطرق مشروعة طبعا. يبدو ذلك مثل اللغز عند الآخرين. بمعنى آخر، سيقول لنا هؤلاء الآخرون لا نفهم علام يحتاج شبابكم إلى الانتظار، في الوقت الذي تستقدمون أعدادا هائلة؟
طبعا نحن نعرف ماهية اللغز: خلاف الأعمال أو الوظائف التي لا تتطلب مهارات، فإن النسبة العظمى من الوافدين تشغل وظائف لا يطلبها السعوديون في العادة ومن ثم فهم لا يجيدونها، وهي الوظائف التي ممكن أن نسميها الحرفية أو اليدوية. وكل كلمة من هاتين الكلمتين تعني هنا معنى واحدا تقريبا.
لي أن أدعي أن تشجيع العمل في هذه الوظائف كما ينبغي متدن جدا من جميع الأطراف: الدولة والأفراد والمجتمع ومؤسساته وجهات التعليم والتدريب (حكومية كانت أو خاصة) وجهات التمويل.
لنأخذ مثلا المؤسسة العامة للتعليم الفني. دخلت موقع المؤسسة فلم أجد سياسة بنية تدريبية وطنية تكسب آلاف الشباب والشابات المهن الحرفية للعمل في أماكن مثل المخابز والحلويات والملاحم والمطابخ والمطاعم وصوالين الحلاقة والورش ومحال الصيانة بمختلف أنواعها. والمقصود أن يعمل فعليا، سواء جمع بين الوظيفة والملكية (ثقافة عمل حر) أو كان مجرد موظف. أما مجرد الملكية فموجودة أصلا، وغالبا ما تأخذ صورة ما يسمى بالتستر، وهي خارج موضوع المقال.
المعوقات المتسببة في وجود اللغز الذي تحدثت عنه كثيرة. وأتوقع أن القراء الأفاضل لا يجهلونها. هذه المعوقات أراها تتركز في 1 - ثقافة وعادات مجتمع لا تخفى على القراء. 2 - لباس أو زي ليس بعملي. 3 - تخطيط حضري لا يشجع على المشي والحركة. 4 - تأثير مرض هولندي جراء الحصول على دخل بسهولة (دخل النفط). 5 - سهولة الاستقدام نسبيا على مدى عشرات السنين وتأثيراته. 6 - فقد تدريب. 7 - نظام إقامة (ما يسمى عرفا كفالة) الذي أعطي مزية لتشغيل غير السعوديين. وقد تضافرت هذه المعوقات جميعا لتنتج الوضع القائم. والحديث بشيء من التفصيل عن هذه المعوقات وما يقترح لها من حلول وتخفيف تأثير بأقوى ما يمكن أن يتطلب مقالات.
إن العزوف عن الأعمال اليدوية والتوجه العام نحو العمل المكتبي يشكل تحديا كبيرا لحاضرنا ومستقبلنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وعقبة كبيرة في نجاح جهودنا لتقليل اعتمادنا على النفط.
من أجل ذلك يصبح مطلبا على مؤسسات البلاد المعنية كافة دينية وتعليمية وتدريبية ومالية وغيرها إعداد أو المساهمة في إعداد أبناء وبنات البلاد لكي يكونوا عناصر ناجحة في حياتها ومنتجة في مجتمعاتها. وسيكون هذا الإعداد ناقصا نقصا واضحا دون مواجهة النظرة الدونية إلى العمل الحرفي. المعالجة مطلوبة بقوة قبل أن يستفحل البلاء.
ومن المهم التأكيد على أن النظرة القائمة إلى العمل اليدوي والحرفي نظرة لا تتفق مع نظرة ديننا إليه. فالإشارات إلى الكسب والعمل في القرآن والسنة كثيرة جدا، أذكر منها ما رواه البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
والحديث مستمر عن عناصر في الموضوع.