دمج المراكز الصحية
يبدأ تقديم الرعاية الصحية العامة في المملكة من خلال المراكز الصحية المنتشرة في طول البلاد وعرضها. وتنتشر المراكز الصحية في شتى أرجاء المملكة، حيث تشير البيانات الرسمية إلى وجود 2259 مركزا صحيا في عام 1435. وتوفر هذه المراكز الخدمات الصحية الأساسية على نطاق محلي، ولكنها تواجه معضلات كثيرة. ويوجد جزء كبير من هذه المراكز في مبان مستأجرة وغير مهيأة كمرافق صحية. ويقع كثير من المراكز على شوارع داخلية أو ضيقة أو ملاصقة للمنازل السكنية مع عدم توافر مواقف كافية، أو مصاعد في بنايات متعددة الأدوار. وتعاني المراكز الصحية بوجه عام نقص الكوادر والتخصصات الطبية والأجهزة الطبية، ما يتسبب في إقفال الكثير من العيادات لعدة سنوات. ويتعرض عديد منها للأعطال الإنشائية وانقطاع المياه في أوقات متعددة من السنة، ولا يتم تجهيزها بشكل جيد للتعامل مع هذه المعضلات. وتعاني المراكز الصحية في كثير من الأحيان بدائية مختبراتها والأجهزة الطبية وأقسام الطوارئ أو حتى عدم وجودها. وتفتقر المراكز في كثير من الأحيان إلى الأدوية اللازمة بسبب ارتفاع الطلب على خدماتها. وإضافة إلى ذلك تعاني المراكز الصحية ضعفا واضحا في كوادرها الطبية وعزوف الكفاءات الطبية عن العمل فيها بسبب انخفاض مستويات تنظيم وتجهيز المراكز الصحية، وتراجع الحوافز المادية في هذه المراكز، وعدم مساواتها بمزايا العاملين في المستشفيات الرئيسة. وتعمد وزارة الصحة لتعيين كثير من حديثي التخرج في هذه المراكز، التي لا توجد فيها كفاءات طبية جيدة، ما يضيع على هؤلاء فرص اكتساب الخبرة مع الكفاءات الطبية الجيدة ويخفض من كفاءة المراكز الصحية. وسيكون من الأجدى تعيين ذوي الخبرة في هذه المراكز واشتراط حدود دنيا للعمل فيها.
وقد تسبب وضع المراكز الصحية في تراجع دورها، ومستوى خدماتها، وتدني أخلاقيات العمل فيها. وهناك كثير من القصص عن رداءة الخدمات المقدمة والتسيب في طواقم المراكز الصحية الفنية والإدارية. وقد مررت في أحد الأيام بأحد المراكز الصحية ولم أجد في ذلك الوقت إلا شخصا واحدا في قسم الرجال يقوم بأعمال التمريض والتطبيب في آن معا. كما روت إحدى الأمهات أنها ذهبت مع ابنتها المريضة إلى المركز الصحي المسجلة به أسرتها. وذكرت أن الممرضة المقدمة الخدمة كانت جالسة على الكرسي، وتطلب من المراجعات الاقتراب منها لكي تتمكن من قياس الحرارة، وكان بعض الأمهات ينحنين بأطفالهن لتتمكن سعادة الممرضة من قياس الحرارة. ثم دخلت الأم مع ابنتها المريضة إلى الطبيبة التي لم تبادر بالكشف على المريضة ولم تلمسها ولم تستخدم حتى سماعتها، وإنما وجهت بعض الأسئلة للمريضة وبسرعة فائقة، وفي غضون لحظات كتبت لها تحويلا إلى مستشفى حكومي. وسألتها الأم عن ورقة التحويل، ولكن الطبيبة قالت لها ستصلكم رسالة على الجوال بالتحويل، وما زالت الأم تنتظر منذ عدة أشهر رسالة التحويل، التي لم تصل إليها ولا أتوقع أنها ستصل.
ويشير تدني مستوى خدمات المراكز الصحية إلى أن هذه التجربة بحاجة إلى مراجعة شاملة وواسعة وحازمة وإصلاح حقيقي. فعلى الرغم من كثرة المراكز الصحية وكونها تقدم 70 في المائة من الخدمات الطبية التي تقدمها وزارة الصحة، إلا أنها قد فشلت إلى حد كبير في توفير مستوى مقبول من الرعاية الطبية للسكان. وأتصور أن كثرة هذه المراكز وقلة ساعات عملها وصغر حجمها أسهمت بطريقة أو أخرى في تدني كفاءتها وضعف السيطرة عليها وعلى إدارتها وتدني مستوى خدماتها. وتقود كثرة الوحدات الإدارية بوجه عام إلى تشتت الجهود والموارد وقلة تركيزها وضعف السيطرة عليها. ويمكن تحسين جودة خدمات هذه المراكز من خلال دمج كل أربعة أو خمسة مراكز صحية متقاربة مع بعضها بعضا وتكوين مستشفيات محلية صغيرة بسعة 20 أو 30 سريرا تقدم خدمات طبية أكثر تكاملا من المراكز الصحية محدودة الفائدة وتخفف في الوقت نفسه من الضغوط الكبيرة على المستشفيات الرئيسة. وسيقود دمج المراكز الصحية مع بعضها بعضا إلى الاستغناء عن كثير من المباني المستأجرة وغير المؤهلة لتكون مراكز للعناية الصحية. كما سيقود دمج المراكز الصحية إلى زيادة عدد وتنوع الممارسين الصحيين من أطباء وفنيين وتوجيه ممارسين أكثر كفاءة وخبرة إلى هذه المستشفيات وزيادة ساعات عملها لتغطي فترتي عمل من الصباح وحتى منتصف الليل. كما سيقود دمج المراكز الصحية إلى خفض التكاليف الإدارية وتحسين مستوى الإدارة الصحية من خلال تحسين قدرات الإشراف عليها وتأهيل عدد أقل من المتخصصين المؤهلين لإدارتها. ويمكن إعادة تأهيل المباني المؤسسة كمراكز صحية أو إدخال تعديلات محدودة عليها لتعمل كمستشفيات صغيرة، كما يمكن استخدام الموارد المخصصة للأجهزة والمعدات الصحية وصيانة وإدارة المباني في عدة مراكز صحية في تجهيز المستشفيات الصغيرة المقترحة. إن تحسين مستوى الخدمات المقدمة في أي جهاز حكومي أو شركة خاصة أو عامة، ورفع كفاءة الوحدات الإنتاجية يتطلب تغييرات هيكلية جوهرية في حجم الوحدات وعددها، وسيقود دمج المراكز الصحية إلى وفورات الحجم التي يمكن استخدامها لرفع مستوى الخدمات. ولا يمكن تحسين الخدمات الصحية إلا من خلال زيادة الكفاءة الإدارية والفنية في تشغيل هذه المنشآت والتقييم المستمر لنوعية الخدمات المقدمة.