نعم لكفاءة الطاقة .. لكن أين فعالية الصناعة؟
قد لا أبالغ إذا قلت إن أهم مشروع يواجهنا في هذه المرحلة المهمة من عمر الاقتصاد السعودي هو الاستخدام الكفء للطاقة، وإن أهم مركز اليوم يهمنا نجاحه واستمراره هو مركز كفاءة الطاقة. ويجب أن نلاحظ أن عنوان المشروع ومركزه لم يكونا وليدن المصادفة، ولم يكن المشروع من باب تقليل استخدام الطاقة أو ترشيدها، بل كانت الكفاءة في استخدام الطاقة شعار المركز، فالمشروع لا يسعى إذا إلى مجرد تقليل استخدام واستهلاك الطاقة بل يسعى لأن يكون هذا الاستهلاك كفؤا وعند أي مستوى له مهما ارتفع هذا الاستهلاك وهذا هو الهدف الأسمى، وإذا كان الأمر كذلك فإن مفهوم الكفاءة هو مفتاح الحل إذا، فما هذا المفهوم؟ وهل يكفي لحل مشكلتنا الاقتصادية فعلا؟
لعلنا اليوم نواجه مشكلة خطيرة في استنزاف الموارد، خاصة المائية والنفطية بشكل لم يسبق له مثيل على أرض هذه الجزيرة العربية، فنحن إذا كنا ننتج يوميا من النفط ثمانية ملايين برميل أو أكثر فإننا نستهلك أربعة ملايين منها، ونبيع الباقي لنصرف دخله على احتياجات نهضتنا الحالية وندخر الجزء الأقل من ذلك الدخل الناتج عن بيع النفط لأيام مثل هذه التي نشهد فيها تراجعا في الأسعار. وإذا كنا قد عانينا قبل 50 عاما من اعتمادنا على النفط الكبير بنسبة زادت على 90 في المائة فإننا لم نزل اليوم نعتمد على النفط بالنسبة نفسها، وهذا يعني أننا لم نزل كسولين جدا في تنمية الإنتاج وإيجاد الثروة من عوامل الإنتاج الأخرى المتوافرة لدينا اليوم، ونحتاج للخلاص من هذا المأزق إلى فطام من هذا النفط. وكل هذا الحديث معروف بل أصبح مستهلكا ومع ذلك فلا مفر منه عند الحديث عن حاجتنا إلى بناء صناعة تقوم على الاستغلال الأمثل لموارد الاقتصاد، وليس النفط سوى جزء بسيط منها، بينما يقبع في أيدينا كنز ضخم من الموارد سواء في رأس المال أو في التنظيم أو في قوة العمل والأرض، كنز ضخم نتكاسل عن استثماره تحت وطأة الربح السهل الذي يحققه النفط لنا. من الصعب تخيل أن نبني صناعة اليوم وليست للنفط علاقة بها، لكن المقصود ألا يكون المنتج النهائي لنا هو النفط بل يجب أن نطور صناعات أخرى "وشرط" أن تنافس في الأسواق العالمية لا يكون نجاحها عالة على الدعم الحكومي الذي يأتي من تسهيلات في أسعار النفط والطاقة كالذي تشهده اليوم صناعة البتروكيماويات.
إن مشكلتنا الصناعية اليوم بكل تفاصيلها هي في الاعتماد على الدعم الحكومي سواء من خلال تحول الحكومة إلى مشتر صاف وبأسعار مبالغ فيها ولا علاقة لها بأسعار السوق والعرض والطلب، أو من خلال الدعم الذي تقدمه الحكومة لأسعار الطاقة. وبالطبع فإن الحكومة تقدم هذا الدعم بشتى صوره من خلال إيراداتها النفطية وليس من خلال الضرائب التي تأتي من القطاع الخاص. هذا يقودنا إلى مفهوم سلسلة الكفاءة فإن كفاءة اقتصادنا إذا تعتمد على أضعف حلقة فيه، فقدراتنا النفطية كبيرة والحكومة سخية في الدعم ولكن الصناعة والقطاع الخاص الذي يشرف عليها لم يزالا هشين بلا قيمة مضافة حقيقية ومنافسة للمنتجات العالمية المثيلة أو البديلة التي تخضع لقوى الأسواق الدولية وتحديات العرض والطلب فيها. لذلك فإننا - ورغم قوتنا النفطية في العالم - أمام اقتصاد هش لا تستطيع منتجاته الصمود أمام أول عاصفة فيما لو تأثرت قدراتنا النفطية أو تأثرت قدرات الحكومة على الدعم السخي. ولذلك نحن قلقون من استخدامنا للطاقة اليوم، فمهما بلغت كفاءتنا في استخراج النفط وبيعه، فإن كل هذا سيضيع على طول السلسلة حتى المنتج النهائي الذي ننافس فيه بقية العالم.
وإذا كانت الكفاءة تعني أن نستخدم الموارد بأفضل طريقة ممكنة، ومع كل الجهود التي يبذلها مركز كفاءة اليوم من أجل رفع كفاءة استخدام الطاقة إلا أننا لم نكمل - بل لم نناقش - بعد الجزء الثاني من المعادلة وهو فعالية استخدام الطاقة، ذلك أن الجهود عن كفاءة استخدام الطاقة لا يمكن أن تستمر دون الحديث عن فعالية استخدامها أيضا، فهما صنوان معا لا يمكن الحديث عن أحدها دون الآخر، وإذا كنا قد بدأنا نسير فعلا في طريق رفع الكفاءة وأنجزنا القدر اليسير فإننا متوقفون تماما أمام قضية الفعالية لكن السؤال الصعب هو في فعالية ماذا؟ تلك هي المعادلة التي يجب على مركز كفاءة الطاقة أو غيره أن يقررها.
يجب ألا تضيع جهودنا في تحسين سوق منتجات الدول الأخرى، فتحسين كفاءة المكيفات - مثلا- هو عمل جيد بشكل عام لكن الأفضل أن نركز على تحسين فعالية إنتاج المكيفات المصنوعة في المملكة وأن نجعلها الأكفأ في العالم، وألا نتحدث مع الآخرين حول منتجاتهم بل نحدد شروطنا فحسب، هذا هو المقصود تماما أن نعمل على رفع كفاءة استخدام الطاقة بوضع شروطنا على المنتجات لكن أيضا علينا أن نرفع من فعالية الاقتصاد في الصناعات التي تستنزفنا وتستنزف طاقتنا، إنها المعادلة الصعبة التي يجب علينا أن نخوض غمارها اليوم قبل غد.
لقد تملكتنا الشجاعة بأن نقول لتجربتنا الزراعية كفى، ذلك أنها فشلت في اختباري الفعالية والكفاءة واليوم نواجه التحدي نفسه مع صناعات أخرى ومنها البتروكيماويات، لأنها تستنزف اليوم - من خلال الدعم الذي يصل إليها - أكثر مما تمد اقتصادنا، إنها تفشل تدريجيا في اختباري الكفاءة والفعالية، ولكيلا تصبح تجربتنا الصناعية كالزراعية يجب علينا أن نعرف ما هي تلك الصناعات التي تحقق لنا المعادلة الصعبة: وهي الكفاءة في استخدام الطاقة مع الفعالية في تحقيق أهداف الاقتصاد.