حملة «كفاءة» الطاقة مثال للفاعلية والكفاءة
ارتياح وتفاعل شعبي كبير مع حملة "كفاءة" الطاقة، وكما يبدو لي أنه غير مسبوق مع أي حملة توعوية أخرى، تستهدف تغيير السلوك من السلب إلى الإيجاب في قضية معينة، فكل من أجالسه يشيد بالحملة، ويؤكد أنها غيرت معلوماته ومعارفه ومواقفه وسلوكياته تجاه الطاقة وأنواعها وكيفية ترشيدها، بما يسهم في تخفيض تكاليفها عليه شخصيا وعلى الدولة أيضا، لتحول ما تنفقه على إنتاج الطاقة ودعم أسعارها إلى مجالات تنموية أخرى.
لا أخفيكم أن كثيرا من الحملات التوعوية التي تستهدف تغيير سلوكيات المواطنين والمقيمين تجاه قضية معينة كالإسراف في الطعام أو استهلاك الماء والطاقة أو القضايا المرورية أو القضايا الاجتماعية كالطلاق والعنف الأسري وغيرهما، تعاني ضعف "الفاعلية" و"الكفاءة" بسبب ضعف وسوء التحليل والتشخيص لعناصر القضية أو المشكلة المراد التصدي لها أو معالجتها، وبالتالي سوء التخطيط والتنفيذ ما يؤدي إلى ضياع الوقت والجهد والمال في مسارات استراتيجية غير مهمة أو غير مجدية أو غير ذات أولوية، وفي أفضل الأحوال إذا كانت المسارات صحيحة لدرجة ما، فإننا نجد هدرا كبيرا في الجهد والوقت والمال لسوء تخطيط التفاصيل التنفيذية، ما يجعل معظمها غير مؤثر بشكل بالغ وعميق، ولذلك نجد الإحصائيات لا تتزحزح عن مكانها إلى الأفضل، بل إلى الأسوأ في كثير من الأحيان.
واحد من أهم الأهداف الاستراتيجية لحملات التوعية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية المهمة إيجاد الدافعية والتحدي للعمل الجاد الإبداعي بروح المبادرة لدى فريق الجهاز الحكومي المعني بالقضية وشركائه في القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني وأفراد المجتمع، ولذلك من وجهة نظري: إن أي حملة توعية لا توجِد ذلك ولا تجذب الشريحة المستهدفة وتمكنها من المشاركة بفاعلية عالية، باستشعارها دورها وفائدتها المباشرة وغير المباشرة، فهي حملة ضعيفة جدا، بل فاشلة ويجب مراجعتها وإعادة تخطيطها.
كل حملة ناجحة تتطلب فكرة استراتيجية تولد الدافعية والتحدي، ولا شك أن البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة الذي يترأسه الأمير عبد العزيز بن سلمان، نائب وزير البترول والثروة المعدنية الذي أطلق الحملة التوعوية لترشيد استهلاك الطاقة في بلادنا استطاع، بنجاح كبير، أن يعمل من خلال فكرة تهم الجميع على المستوى الفردي، وهي فاتورة الاستهلاك الشخصي، كما تهم الجميع على المستوى الوطني وهي فاتورة الاستهلاك الجمعي للطاقة، التي قد تفقد الدولة إيرادات أهم مورد اقتصادي رئيس، وهو النفط حال استهلاك معظمه محليا، إذا استمرت وتيرة نمو الاستهلاك كما هي في السابق والحاضر.
هذه الفكرة الجاذبة للجميع بملامستها للاهتمامات الفردية والوطنية جعلتنا جميعا مؤسسات وأفرادا نتساءل: ما الدور المنتظر أن نقوم به لنتجنب الفاتورة الشخصية والوطنية الباهظة للاستهلاك غير المُرشد للطاقة؟ فكانت الإجابة على عدة محاور؛ سلسلة الفهم والاستيعاب تضمنت بشكل مكثف محوري استهلاك الكهرباء ووقود المركبات، الذي يشكل في مجمله معظم استهلاك موارد الطاقة في بلادنا خصوصا النفط، حيث بتنا نستهلك أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم لتوليد الطاقة ووقود المركبات.
من أسباب نجاح الحملة، كما يبدو لي، أنها استخدمت الترويع من خلال المقارنة، حيث أبرزت حجم استهلاكنا للنفط، وهو موردنا الاقتصادي الرئيس ومعدلات نمو هذا الاستهلاك مقارنة بحجم استهلاكه ومعدلات نمو استهلاكه، مقارنة بدول صناعية كبرى كأمريكا والهند والصين، حيث لم يفقنا في معدلات نمو الاستهلاك سوى الصين التي ينمو سكانها سنويا بالملايين وتستهلك الطاقة لأغراض صناعية بشكل متنامٍ، وللأمانة كانت معلومة صادمة فلم نكن نتصور أننا في المملكة نصنف ضمن أكبر خمس دول في العالم في استهلاك النفط، وأن مجموع نمو استهلاك الصين (350 ألف برميل) ونمو استهلاك المملكة (250 ألف برميل) يشكلان نحو 60 في المائة من إجمالي النمو السنوي العالمي في الطلب على النفط البالغ نحو مليون برميل في اليوم.
أيضا من أسباب النجاح أن الحملة حملتنا جميعا هما وطنيا وهو ضرورة العمل جميعا للحفاظ على المورد الرئيس لاقتصادنا، وهو البترول لكي نصدره للخارج للحصول على الأموال اللازمة للتنمية، وإلا أصبحنا في مشكلة اقتصادية كبرى تمس جميع قطاعاتنا ومؤسساتنا وأفراد المجتمع جميعا، خصوصا أن الحملة أوضحت لنا معلومة لم نكن نتوقعها، وهي أننا نستورد البنزين لأن معدل استهلاك الفرد السنوي في المملكة من البنزين يعد من أكبر معدلات الاستهلاك السنوي للبنزين للفرد في العالم، ويقدر بأكثر من 950 لترا سنويا، ما جعل بلادنا في حاجة إلى استيراد نحو 100 ألف برميل بنزين يوميا لكي تفي باحتياجات سوقنا في بعض المواسم.
نجاح الحملة أنها أدخلت عنصرا جديدا حاسما في قرارنا لشراء السلع خصوصا الأدوات الكهربائية، خاصة المكيفات التي تستهلك معظم الطاقة الكهربائية وكذلك السيارات التي تستهلك الوقود، وهذا العنصر هو مدى كفاءة هذه السلع في استهلاك الطاقة، وبكل تأكيد هذا الوعي الذي جعلنا نهتم بكفاءة استهلاك الطاقة سيحفز كل المنتجين لتعزيز كفاءة منتجاتهم في هذا الجانب لتتمكن من تسويقها وبيعها، وإلا فإنها تعاني الكساد في الأسواق السعودية.
تحليل أسباب الإسراف في استهلاك الطاقة، واستخدام كل وسائل الاتصال بلغة بسيطة إبداعية باستخدام الصورة والمعلومة أسهما في توعيتنا جميعا بآليات معالجة هذا الإسراف وترشيد الاستهلاك، ووضعانا أمام الحقيقة المؤلمة وتداعياتها في حال عدم التعاون والتكاتف لمعالجتها دون تساهل، كما وضعانا جميعا مؤسسات وأفرادا أمام مسؤولياتنا لننهض بها.
ختاما من أهم ما جعلني كفرد أكثر حماسا وتفاعلا لترشيد استهلاكي وأسرتي للطاقة هو نجاح الحملة التوعوية من جهة فاعليتها وكفاءتها في تحقيق غاياتها وأهدافها، وأتطلع إلى أن تكون هذه الحملة أنموذجا يحتذى لجميع الحملات التوعوية الوطنية المقبلة ـــ بإذن الله ـــ كما أرجو من الجميع التفاعل معها إيجابا دون التهوين من شأن المساهمة مهما كانت قليلة.