إذا أخطأ الطبيب
لن أنسى عينَي الشاب الإعلامي محمد الثبيتي، ولا نظراتهما إليّ وهو يحادثني، أو أني أحادثه. عينان واسعتان تطلان على نفسه الداخلية فترى جداول البراءة والحب والطموح. الشاب الذي يتنقل بأكثر من مهنة في اليوم طلبا لمكان أفضل له في هذا العالم.. محمد ضخم بقلب عصفور، وضخامته تؤثر على صحته، ووعدني أن يعتني بنفسه، لأنه يبذل نفسه من أجل ناسه ومجتمعه في عمله التطوعي المشمس.
الآن يرقد هذا الحبيب في عالم برزخي، نومة طويلة لا نعلم متى سيستيقظ منها، وندعو الله تعالى أن يكون الاستيقاظ عاجلا سريعا.. فخوفنا عليه شديد، وعلى قابليته الحيوية جراء نقص الأكسجين لفترة في الدماغ.. ونترجى الله أن يرفع عنه، وهو الذي ليس بينه وبين عباده حجاب في التضرع والرجاء.
دخل محمد بما نظنه إجراء بسيطا طوارئ مستشفى مجمع الدمام، لأن الخُرَّاج الذي بفخذه كان مؤلما جدا، بدا أن عملية إزالته سهلة. الأمور لم تسر على هذا التوقع، حدث شيءٌ ما، وهذا الشيء لا أحكم أنه خطأ في الإجراء الطبي من عدمه، والذي يهز قلبي ويحزنني أنه دخل معافى لا يشكو إلا من خُرّاج كبير، وانتهى إلى ما أسموها غيبوبة، وأسميها تيمنا وتفاؤلا ورجاء "نومة".
إذن لا بد أن شيئا خرج من مساره. قالوا إن سمنته وبعض ممارسات غير صحية أثرت في التخدير، وهذا ليس عذرا لشخص عامي مثلي، فإذا كانت سمنته وممارساته تؤثر، فلمَ عمدوا لإجراء عملية سريعة؟ فهمت أن الطبيب الإخصائي كان واثقا، وأجرى عمليات مشابهة، ولم يدخل محمدا للجراحة إلا وهو واثق بكل الإجراءات.. والكود الطبي يوجب وجود استشاري في حالة محمد، وقيل لو كان الاستشاري موجودا لربما حصل نفس الشيء، كما أن العملية أجريت قرابة الفجر، وأعتقد أنها كانت يجب أن تعمل بالنهار والطبيب في فورة نشاطه وليس آخر الليل وهو في نهاية نشاطه.. كما أظن.
ليست حالة محمد أول حالات الأخطاء الطبية ولن تكون، للأسف، آخرها. لذا أود هنا مناقشة ما قبل الخطأ الطبي، وليس ما بعده، الذي سيحال إلى لجان وقضاة.
هناك ما يسمى بالكود الطبي، أي قانون الإجراءات الطبية، وبما أنه قانون فلابد أن يتبع، فالقوانين وضعت لتتبع مهما تخيل شخص أنه موضوع من السذاجة تطبيقه في ظرف ما.. يعني مثل من يمر بشارة حمراء بمنتصف الليل والشارع خال تماما من السيارات فيعتقد أن لا وجه منطقي لتطبيق قانون المرور بالوقوف حتى يظهر اللون الأخضر. القانون لا يُفهَم هكذا، القانون يطبق في كل الحالات بلا نقاش ولا تبسيط ولا تبرير.
قد يوافق أطباء أن ما عمله الطبيب الذي أشرف على حالة محمد إجراءات صحيحة، ولو وجد الاستشاري لربما كا سيحصل ما سيحصل، وأؤكد أن الطبيب كانت نيته طيبة فربما كان محمد في ألم لا يطاق، على أن لا اجتهاد في القانون، فالقانون ما وضع إلا نتيجة، أي ليحمي من خطأ ما، وهذا شرح وتفسير أي قانون. كان على الطبيب رغم سلامة نيته أن يستدعي الاستشاري كما يقول الكود الطبي. وهنا أمر يقرره من سيضطلعون بالقضية.
كما أني أرى شيئا آخر مهما، وهو لياقة الطبيب الجسدية والنفسية، بمعنى أن الحالات الآيلة للتعقيد بسبب حالة المريض لا بد أن تكون في أوج نشاط الطبيب، إلا إن كانت من الحالات التي لا تستوجب انتظارا، فالجهد الطويل يؤثر في دقة التركيز. كما أن الطبيب كأي شخص معرض لظروف نفسية، وبرأيي، أن من يعرف أنه تحت ضغط نفسي ظرفي كبير يجب أن يمنح وقتا حتى تخف أو تنتهي تلك الظروف. كيف نقيس هذه الحالات؟ لا أملك إجابة دقيقة، ولكن المدير الطبي بحساسيته الإنسانية عليه أن يقيس مدى تأثير الحالة النفسية للطبيب على أدائه.. فالأطباء ليسوا آلات عمل بلا مشاعر، إلا أن أخطاءهم أكبر الأخطاء لأنها تتعلق بصحة أو حياة إنسان.
قد أكون هنا عاطفيا أكثر من كوني منطقيا عقليا.. ولن أنكر. أحببت محمدا وأعجبت وبه، كان أمامي كامل الصحة موفور الطاقة، ثم في لحظة أجده في عالم آخر أتضرع للشافي القدير أن يعود منه.
لطفاً، ادعوا له.