رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


البطالة ما بين معاناة المواطن وإحساس المسؤول

تناقلت وسائل الإعلام تصريحا لأحد كبار المسؤولين بأن "البطالة من سنن الله في الكون، وأنها موجودة منذ زمن النبوة وعلى مر العصور، وفي جميع المجتمعات المتقدمة منها والنامية، واصفا نسبتها في المملكة بالمعقولة، حيث تبلغ وفقا للإحصاءات الدولية نحو 6 في المائة، فيما تصل 2.8 فقط بين الرجال السعوديين والأجانب".
لا شك أن هذا تصريح يحمل جزءا بسيطا من الحقيقة، ولكنه يخفي الكثير من الإحباط، إلى جانب أنه يثير تساؤلات كثيرة وكبيرة وينكأ - بقسوته - جروح المتعطلين عن العمل! فهل يمكن القبول بهذا القول؟ وهل يعد معدل البطالة بين القوى العاملة السعودية معقولا و"معتدلا" بالمقارنة بمعدلات البطالة في الدول الأخرى؟
لا شك أن البطالة تتفاوت من دولة إلى أخرى ومن منطقة إدارية إلى أخرى، بل تختلف معدلاتها من مدينة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، ترتفع في مصر إلى 12.9 في المائة من جملة القوى العاملة في عام 2014م، وفي العام نفسه، تصل إلى 12.3 في المائة في الأردن، ونحو 10.9 في المائة في تركيا، و10.7 في المائة في الجزائر، و10.4 في المائة في فرنسا، وتنخفض نسبيا في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إلى نحو 5.7 في المائة، وفي ماليزيا إلى 2.9 في المائة.
أما في المملكة العربية السعودية، فقد برزت البطالة بوجهها القبيح مع بداية تسعينيات القرن الميلادي المنصرم، عندما سجلت - لأول مرة - نحو 12 في المائة حسب بيانات تعداد 1992م، ثم تراوحت - بعد ذلك - ما بين 8 في المائة في عام 1999م ونحو 12 في المائة في عام 2014م، وتشير بيانات آخر مسوحات القوى العاملة إلى أن معدل البطالة للسعوديين يصل إلى 11.7 في المائة، أي أن عدد المتعطلين يبلغ 651305 متعطلين، منهم 258880 رجلا، و392425 امرأة، وأغلبهم من الشباب، ومن حملة الشهادات الجامعية.
وبناء على ما سبق، فإن المعدل الذي أشار إليه "المسؤول الكبير"يخص إجمالي القوى العاملة التي يمثل العاملون غير السعوديين أغلبيتها، أي نحو 53 في المائة. وعندما قرأت ما تناقلته وسائل الإعلام في هذا الخصوص تذكرت كتابا قديما قرأته أيام دراستي في الخارج تحت عنون (How You Lie With Statistics).
لا يخفى على أحد خطورة البطالة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فالفرد يعاني الفقر وعدم استقرار العلاقات الاجتماعية والاكتئاب، ما يؤدي - في بعض الحالات - إلى إدمان المخدرات أو ارتكاب جرائم السرقة أو إشعال الاضطرابات وغيرها. وفي ضوء ذلك، لا ينبغي التساهل بمعدلات البطالة في المملكة، التي لا يمكن النظر إليها بأنها منخفضة. فلا يمكن أن تعد منخفضة عندما مقارنتها بمثيلاتها في كثير من الدول، وكذلك لا يمكن النظر إليها بأنها معدلات "معقولة"، خاصة عندما نعلم أن هناك 600 ألف "إنسان" سعودي قادر على العمل، ويرغب في العمل، ولكنه لا يجده، ويعيش في دولة تستقطب أكثر من 10 ملايين من الخارج! فكل عدد من هذه الأعداد وراءه أسرة أو دموع أم محتاجة لا تستطيع تلبية احتياجات أسرتها الضرورية. ولولا شعور الدولة بخطورة البطالة لما تبنت برامج متعددة للحد منها، مثل "نطاقات" و"حافز" وغيرهما! وفي هذا السياق، استحضر المثل الشعبي القائل: "ما يُونس الجمرة إلا رجل واطيها"!
وأخيرا أشير إلى قضية "أزلية" تتمثل في قلة البيانات وتناقضها، فأدعو إلى ضرورة تطوير إحصاءات سوق العمل وإتاحتها للمستفيدين سواء رجال الأعمال أو الباحثين، لكيلا تبرز التناقضات وتنتشر الشائعات!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي