رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستثمار فكرة ومبادرة

زيارة لدبي تستثير في الذهن تساؤلا جوهريا، لماذا هذا الإقبال الشديد على دبي من الجنسيات المختلفة، ومن شرائح اجتماعية متعددة؟ الأسواق على كثرتها، والمطاعم بتنوعها، وأماكن الترفيه مليئة بمرتاديها، وهذا الوضع، أو المشهد حري أن يستثير السؤال في الذهن، وبقوة، كيف نجحت دبي أن تكون جاذبة دون غيرها في المنطقة على الرغم من أن غيرها من مدن المنطقة أكثر تأهيلا للجذب السياحي، أو على أقل تقدير تماثلها؟!
تأملت في الموضوع محاولا تفسيره لمعرفة المنطلقات الاستثمارية التي بني عليها هذا الواقع الاستثماري المتقدم الذي بلغته دبي، وكل الذي اهتديت إليه يتمثل في الأمور التالية، إذ ما من شك أن الإرادة الرسمية تمثل المنطلق الأساس الذي فكر، أو استقبل الفكرة من مصدرها، وتبناها بحماس، ووعي بإيجابيات، وسلبيات الفكرة، ومتطلبات إنجازها، فالفكرة قد توجد في بلد آخر، لكنها مثل الوردة التي إن لم تجد الرعاية، والاهتمام بها، تذبل، وتموت. أما وعي المسؤول بشأن اقتناص الفرص مثله مثل الصياد الذي يبادر باقتناص صيدته قبل أن تفر من أمامه لتكون من نصيب صياد آخر.
المشاريع مهما كان حجمها هي فكرة في البداية لكنها لا تتحقق على أرض الواقع، ويكون النجاح حليفها إلا إذا توافرت شروط النجاح، وأهمها الانتقال بالفكرة إلى برنامج عمل ترسم له خطته، ومراحل التنفيذ، والمتطلبات البشرية، والمادية، فالمشاريع العملاقة ذات الطابع السياحي، كما في دبي تحتاج إلى إمكانات هائلة. الحلقات الأساسية لنجاح المشاريع تتمثل في صناع القرار الاستراتيجي، والمخططون، والمنفذون للمشروع، ومن ثم العاملون في الميدان، بعد اكتمال المشروع، وانطلاقه لإدارته، وتقديم خدماته للمستفيدين منه.
ما بين أول زيارة قمت بها لدبي قبل عشرين سنة، وآخر زيارة خلال إجازة ما بين الفصلين لعام 1436 هـ، وما بينهما ألحظ تغيرا مستمرا، ومحافظة على النظافة، والجودة في الخدمات، وهذا لا يتحقق ما لم يكن هناك أنظمة، وقوانين يتم تطبيقها، إما بصورة طوعية، أو تفرضها الجهات المختصة، كالبلدية، والمرور، كما أن التدريب الجيد، والمتقن لمقدمي الخدمات، والقائمين عليها أمر لا بد منه لنجاح المشروع، ولعل نظافة، وجودة إدارة الأسواق والمطاعم، والفنادق، وأماكن السكن، إضافة إلى دورات المياه العامة تعطي المثال الأوضح على إرادة السعي لتحقيق النجاح. المعايير المعتبرة عالميا في أماكن السكن، والمطاعم، والخدمات الأخرى تمثل أساسا يمكن على ضوئه المحاسبة حتى لا يكون لمقدمي الخدمات عذر يلوذون به، ويتهربون لتأتي الخدمات دون المستوى المطلوب، ولذا فإن وضوح المعايير، والإلمام بها لا تدع مجالا لتقديم خدمات رديئة، خاصة مع حضور الرقيب.
نجاح دبي كنقطة جذب سياحي أسهم فيه التنوع والتجديد الذي تشهده المرافق العامة، إذ ما بين فترة وأخرى تفتتح أسواقا، وتستحدث أنشطة، فعشاق الرياضات المائية يجدون ضالتهم، ومثلهم عشاق الرحلات الصحراوية، أو البحرية، إضافة إلى أنشطة خاصة بالأطفال، حتى أن المرء لا يجد الوقت الكافي لزيارة الأماكن لكثرتها، وتنوعها، مجمل الصورة التي تشكلت منها دبي خلقت صورة جاذبة، ومغرية حتى أن البعض خارج المنطقة في أوروبا، وأمريكا، وشرق آسيا يخططون لتحقيق حلم زيارتها، وإشباع حب الاستطلاع، إضافة إلى الاستمتاع بجوها الدافئ، ومرافق السياحة الجميلة.
تنوع المعروض من المنتجات السياحية أصبح حافزا على استثارة سلوك الاستهلاك، فما بين تذوق الأطعمة إلى الملابس، وأدوات الزينة، والكماليات، والهدايا، ولذا من النادر أن تجد متجرا، أو مطعما، أو مدينة ألعاب فارغة، بل إن الحركة دائبة، والناس يذهبون، ويجيئون، والكل مشغول في مجاله.
المرونة في التفكير عنصر أساس في النجاح، وهذا ما أوجد أفكارا إبداعية قادرة على التنافس مع الآخرين، والحصول على النصيب الأكبر من الكعكة السياحية، حتى وإن كان الآخرون أكثر مالا، وإمكانات إلا أنهم تأخروا في اتخاذ القرار، أو أن التردد، والبيروقراطية المستفحلة أضاعت الفرصة حين وجدت من فكر بها أولا، وبادر باستغلالها ليحولها إلى مشروع جبار يجذب إليه سياحا، ومستثمرين من كل أنحاء العالم.
الفرص في عالم تنافسي عملة نادرة، لذا تمثل المبادرة في استغلالها، ومسابقة الآخرين إليها خاصية من خصائص المستثمر الناجح، فكم من فكرة رائدة راودت فردا، أو مسؤولا لكنه تأخر في تحويلها إلى برنامج عمل فوجدت طريقها إلى شخص آخر تحرك، واستحدث لها البيئة المناسبة، حتى تحولت إلى مشروع قائم مدر للأرباح الطائلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي