كفاءة طاقة «الوقود» وإدارة الزحام المروري
ارتفع استهلاك المملكة للنفط إلى نحو أربعة ملايين برميل يوميا وهو ما يفوق ثلث الإنتاج الكلي حتى أصبحت بلادنا سادس دولة في العالم من حيث كمية استهلاك النفط بعد الولايات المتحدة والصين واليابان والهند وروسيا دون مسوغ كما هو الحال لدى هذه الدول من جهة عدد السكان ومن جهة عدد المصانع أو الصناعات التحويلية التي تستخدم النفط كمادة أولية. هذا الارتفاع أطلق صافرات الإنذار على اعتبار أن إيرادات النفط تشكل عصب الاقتصاد السعودي وفي حال استهلاك معظمه محليا ستعاني الدولة مشاكل اقتصادية جمة.
صافرات الإنذار وضعت جميع الجهات المعنية أمام تحد واحد وهو تخفيض استهلاك النفط المحلي من خلال عدة مسارات استراتيجية منها ترشيد الاستهلاك ومنها إيجاد بدائل طبيعية للطاقة، وترشيد الاستهلاك يشمل الجميع بما في ذلك محطات إنتاج الكهرباء والماء كما كشف عن ذلك المهندس أحمد الخويطر المدير التنفيذي لنظم الطاقة في «أرامكو السعودية» بالوكالة في كلمة «أرامكو السعودية» الشريك الاستراتيجي للمنتدى والمعرض السعودي لكفاءة الكهرباء في دورته الثانية التي عقدت في 27 نوفمبر 2012م بقوله "إن شركة أرامكو قامت بإنشاء محطات الإنتاج المزدوج للبخار والكهرباء بسعة إجمالية تقدر باثنين جيجا وات لرفع كفاءة استخدام الوقود إلى 75 في المائة والحد من إهدار الطاقة".
الطاقة المستدامة للأجيال القادمة كما أسمتها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة أحد الحلول حيث تسعى المدينة لتطوير مزيج من مصادر الطاقة الذرية والمتجددة وبشكل مستدام يسمح بالحفاظ على مصادر المملكة الناضبة من النفط والغاز لأجيال المستقبل ودون ذلك فإنه من المتوقع أن يرتفع إجمالي الطلب على الوقود الخام لإنتاج الطاقة والصناعة والنقل وتحلية المياه إلى ما يعادل 8.3 مليون برميل من النفط المكافئ يوميا بحلول عام 2028.
وإذا تركنا الخطط التي تخص المؤسسات ولا تخص الأفراد وتحولنا للخطط التي تمس الأفراد لترشيد استهلاكهم للطاقة بجميع أنواعها فإن الدولة توجهت من خلال أجهزتها لتوعية المستهلك بضرورة الترشيد وآلياته والسلوكيات والبدائل المتاحة التي تساعد على ترشيد الاستهلاك سواء للكهرباء والماء أو للوقود، ومن ذلك حملة "كفاءة" التي تبين بدائل تخفيض استهلاك وقود السيارات على اعتبار أن 20 في المائة من استهلاك الطاقة في المملكة يعود إلى قطاع النقل خاصة النقل البري وتحديدا المركبات الخفيفة التي تشكل ما يزيد على 50 في المائة من استهلاك قطاع النقل، حيث إن معدل نمو الاستهلاك 4 ــ 6 في المائة سنويا وهو معدل عال جدا مقارنة بالعديد من البلدان المتقدمة والنامية.
حملة ترشيد استهلاك الوقود تطرقت لفترة إحماء السيارة، ولضرورة استبدال المركبات القديمة لأن محركاتها تستهلك المزيد من الوقود مقارنة بالسيارات الحديثة، وأسلوب قيادة السيارة، واستخدام مثبت السرعة، إلى غير ذلك من وسائل ترشيد استهلاك الوقود لكل سيارة والذي لو كان لترا واحدا يوميا وضربت في عدد السيارات التي تصل لنحو 18 مليون سيارة تزداد بمعدل 700 ألف سيارة سنويا لأصبح إجمالي التوفير اليومي 18 مليون لتر وقود. وبكل تأكيد هذا الترشيد مطلوب ومهم وضروري ويجب أن يتفاعل المواطن والمقيم معه لتحقيق الاستدامة التي تعود على الجميع بالنفع والفائدة.
ومن جهتي ومن تجربة شخصية أظن أن الزحام المروري الذي يتطلب حله التحرك بعدة مسارات هو أحد أهم أسباب استهلاك الوقود دون داع، حيث يتم قطع طريق لا يتجاوز عشرة كيلومترات بأكثر من ساعة أحيانا لا تُطفأ في أثنائها محركات السيارات، وكلنا يعرف أن من أهم أسباب الزحام نقل أعداد هائلة من الطلاب والموظفين في الصباح والظهيرة والمساء بالسيارات التي تنقل بالمتوسط واحدا أو اثنين فقط وهو أمر غير منطقي إذ إن نقل الأعداد الكبيرة يتطلب وسائل نقل عام مثل الحافلات والقطارات كما هو الحال في الدول الأخرى المتقدمة وحتى الفقيرة، ونحمد الله أن بلادنا شرعت في مثل هذه المعالجات وإن كانت بطيئة وتأخرت كثيرا.
ولغاية إنجاز مشاريع النقل العام بجميع أشكالها وصورها والتي ستلعب دورا كبيرا في تخفيض استهلاك الوقود والزحام - بإذن الله - يجب أن يتم التركيز على معالجة مشكلة الزحام ببدائل فاعلة وعاجلة ومن ذلك الإدارة المرورية الاحترافية ولنسمها "إدارة حشود السيارات" في أوقات الذروة ولنستقطب كفاءات دولية ذات خبرات لتجنب مرورنا بمرحلة الاجتهادات والتجربة والخطأ حتى وإن تطلب ذلك تطبيق نظام مشابه لنظام حجز السيارات للدخول لوسط المدينة كما هو الحال في حجز السيارات عند الذهاب إلى مكة وإيجاد بدائل نقل عام تعمل على مدار الـ 24 ساعة وإن كانت حافلات الـ 24 راكبا المعروفة.
إذا كانت فترة الإحماء لا تزيد على دقيقتين ويطلب أن تكون عشرة ثوان، فإن فترة المكوث في الزحام أثناء فترات الذروة التي يبدو لي أنها في كل الأوقات في مدينة الرياض وجدة ومكة والدمام تمتد لفترات من 30 إلى 60 دقيقة، وبالتالي هي الأولى بالاهتمام والمعالجة عاجلا لأن تخفيض فترات المكوث في الزحام سيوفر الملايين من لترات البنزين يوميا على مستخدمي السيارات أولا وعلى الدولة ثانيا لتوفر بذلك ملايين ريالات الدعم وتحقق مبتغاها في ترشيد استهلاك الوقود.
وكلي أمل أن تركز حملة كفاءة استخدام الطاقة على معالجة الزحام المروري من خلال تطوير وتفعيل الإدارة المرورية عاجلا، وكلي ثقة بأن قوة التحدي الذي نعيشه حاليا ستوجد الدافعية لدى جميع الجهات المعنية لابتداع حلول غير مسبوقة للحد من الزحام في المدن الرئيسة ـــ بإذن الله.