مقترح لتوسيع جهود «التجارة» و «العمل»
ذكرت وسائل إعلام قبل أكثر من أسبوع أن وزارتي العمل والتجارة والصناعة قامتا بعقد اجتماعات بينهما بهدف تفعيل وتنسيق الجهود المشتركة بينهما في مواجهة التستر ومخالفات سوق العمل، عبر عدد من الخطوات مثل تفعيل التفتيش الموحد، وتحديد التحديات والتطلعات، وتبادل المعلومات عن المخالفين للأنظمة التي تراقب تطبيقها الوزارتان. وفي سبيل محاربة التستر، جرى بحث سبل دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وهو دعم يصطدم دوما بمشكلة التستر.
التصادم بين الدعم والتستر أدعي أو أرى أنه حقيقة. أرى أن هذا التصادم تحفزه أو تصنعه طبيعة نظام الإقامة، مقرونة طبعا بطبيعة حب المال في البشر، ووقوع الاقتصاد السعودي تحت تأثير المرض الهولندي. والنتيجة وجود صعوبات بالغة الشدة في مكافحة التستر في مجالات وأنشطة عديدة جدا.
وأجد الحاجة هنا إلى شرح مقتضب جدا عن المرض الهولندي: تضرر قطاعات إنتاجية ومهنية، من جراء تأثير الدخل الناتج من الموارد الطبيعية.
قبل عصر النفط، كان آباؤنا وأجدادنا يعتمدون على أنفسهم في أداء الأعمال كافة. إلا أن الأوضاع تغيرت وانقلبت بعد النفط، بما جلبه من دخل كبير جدا، اعتمادا على نسبة صغيرة جدا من القوى العاملة. بعد دخل النفط، احتاج الاقتصاد إلى قوى بشرية من الخارج. لكنه احتياج بولغ فيه وتجاوز حدوده، بسبب تأثير المرض الهولندي، وتبعاته على القوى العاملة المحلية، خاصة في المهن اليدوية.
ساعد على انتشار تأثير هذا المرض نظام الإقامة. كيف؟ فرض نظام الإقامة تبعات وواجبات وقيودا على الوافد، جعلت توظيفه مغريا أكثر من توظيف السعودي إذا تساوت الكفاءة والقدرة عند التوظيف. من جهة أخرى، تلك القيود ساعدت على هجر المواطنين المهن اليدوية، والبديل في الأغلب استقدام أيد عاملة مقابل ريع بصورة ما، وهو ما يسمى نظاما التستر.
دون دخول في تفاصيل ما سبق، نظرا لضيق المكان، يهمني أن أشير هنا إلى مشكلة توطين الوظائف بصورة مختصرة.
يدخل سوق العمل مئات الآلاف سنويًا من الشباب، وفي عام 2050 سيتجاوز هذا العدد مليونا سنويًا، حيث سيبلغ عدد المواطنين نحو 45 مليونًا. ورغم الجهود المبذولة على مدى سنين لتوطين الوظائف، إلا أن النتائج دون الطموحات، خاصة في المنشآت الصغيرة.
تعاني آليات تنفيذ سياسات التوظيف والتوطين نقاط ضعف أهمها:
- جهل البعض وتعقيد أو ضبابية في كثير من الأنظمة والقرارات وضعف في تنفيذها.
- تدني بنية المؤسسات الصغيرة.
- ثنائية مفرطة في التعامل بين موظفي القطاعين الحكومي والخاص.
- ضعف التعاون والتنسيق بين عدة أجهزة.
- أسلوب حياة وعمل يحفز على احتقار نسبي للعمل في المهن اليدوية، والاستعاضة بعمالة رخيصة من الخارج.
- أنظمة الإقامة والاستقدام.
- فساد ذمم.
- الملاءمة الزمنية.
جهود التعاون المشترك بين وزارتي العمل والتجارة تعمل على تخفيف المشكلات السابقة، أو كثير منها. والمقترح توسيع نطاق التعاون. هذا التوسيع ينشأ منه بناء أو برنامج مؤسسي مشترك لتنسيق الجهود في التوطين، خاصة في المؤسسات الصغيرة والمهن اليدوية.
يقترح أن يكون للبرنامج المشترك مجلس تنفيذي، وجهاز تنفيذي.
ويرجع الجميع في النهاية إلى مجلس الشؤون الاقتصادية ومن ثم مجلس الوزراء.
أما المجلس التنفيذي فمن مديرين تنفيذيين متفرغين يمثلون الجهات المعنية. ومن أمثلة هذه الجهات، إضافة إلى الوزارتين البادئتين: وزارة الشؤون البلدية والقروية والجوازات والمؤسسة العامة للتعليم المهني، وممثلون عن الغرف التجارية أو مجلسها. هذه مجرد أمثلة. ويمكننا أن نشبه هذا البناء بالمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي.
أما الجهاز التنفيذي فمن عدد كبير من الموظفين المهنيين ذوي الكفاءة العالية، الذين يشكلون أداة لتحقيق أهداف البرنامج، وتنفيذ تعليمات المجلس التنفيذي.
وقد يمول هذا البناء من صندوق الموارد البشرية والرسوم التي يتقاضاها البرنامج. كما ينبغي أن يساعد على تقوية المنشآت الصغيرة، وحفز العمل في المهن اليدوية.