الشحاذون يغزون السويد
في كل زاوية وأمام كل متجر تقريبا هناك شحاذ أو شحاذين في السويد اليوم. ليس السويد فقط بل بقية الدول الإسكندنافية أي الدنمارك والنرويج. ويقال أيضا إن الشحاذين في طريقهم لغزو فنلندا أيضا.
هذا ليس خيالا علميا. هذه حقيقة نحسّها هنا يوميا ونعانيها. كيف تغزو أعداد كبيرة من الشحاذين بلدانا هي الأرقى والأسمى تقريبا في كل مناحي الحياة مادية أو معنوية أو إنسانية إلى درجة أنها صارت مضربا للأمثال لما يجب أن تكون عليه الأخلاق الإنسانية السامية والراقية.
الشحاذون ليسوا مواطنين من أبناء وبنات هذه البلدان. إنهم يتقاطرون بأعداد غفيرة من دول أوروبية شعوبها تعاني الفقر والعوز فرأت أن الشحاذة في السويد وشقيقاتها أفضل من العيش في بلدانها الأصلية.
عمليا هم لا يحق لهم القدوم إلى السويد أو أي بلد إسكندنافي آخر دون الحصول على سمة الدخول. القادمون سوادهم من دول أوروبية لم يتم ضمها بعد إلى الاتحاد الأوروبي أو أنها لم توقع بعد على معاهدة شنجن التي بإمكان المواطنين من الدول الموقعة عليها التنقل بحرية فيما بينها.
وهل هناك دول في أوروبا فيها من الفقر ما يجعل أهلها يهربون أفواجا إلى دول أوروبية غنية من أجل الشحاذة للحصول على لقمة العيش؟
نعم، هناك دول أوروبية فقيرة جدا شأنها شأن دول شرق أوسطية، يجازف الكثير من أبنائها راكبين البحار ووسائل نقل بدائية خطرة جدا من أجل الوصول إلى ما يراه الناس مكانا أمينا بإمكانهم العيش فيه برغد دون الخوف من الآلام والأوجاع التي يسببها الجوع والفقر.
ولكن هناك فرقا بين القادم من أمصار تطحنها الصراعات والحروب الطائفية الدامية مثل العراق وسورية والصومال وليبيا واليمن ودول أوروبية فقيرة مثل رومانيا أو أوكرانيا.
القادم من دول تعمها الفوضى في الشرق الأوسط رغم أن قدميه تحطان في السويد بصورة غير شرعية من حقه تقديم طلب رسمي للحصول على اللجوء لأغراض إنسانية أو ربما سياسية والدولة عليها إيواؤهم ومعيشتهم وتقديم الدعم لهم ولأولادهم بالحد الأدنى ريثما يبت القضاء في أمرهم.
بيد أن القادم من الدول الأوروبية خارج نطاق الاتحاد الأوروبي يبقى في العراء ولن يقبل طلبه للحصول على اللجوء الإنساني وليس أمامه غير الشحاذة للحصول على قوت يومه والاحتفاظ بجزء مما يتفضل به السويديون أو النرويجيون أو الدنماركيون لعائلته في بلده الأصلي.
كيف يصل هؤلاء الشحاذون وبهذه الأعداد الغفيرة إلى هذه الدول إلى درجة أن حكومات هذه البلدان منهمكة في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة؟
يصل هؤلاء من خلال شبكات تهريب دولية بعد دفع مبالغ ليست قليلة للمهربين أو ضمن اتفاق عمولة بين هذه الشبكات والشحاذين.
منظر غير مألوف في السويد أن ترى على باب المتجر الذي تتسوق منه أو في زوايا الشوارع رجالا ونساء أو أطفالا وبنات يلفون أجسامهم ببطانيات سميكة وينامون على قارعة الطريق ودرجات الحرارة قد تهبط في الليل إلى 15 درجة تحت الصفر.
لقد خلق هؤلاء الشحاذون مشكلة عويصة لهذه الدول المشهود لها ولأهلها بالإحسان إلى المحتاجين من مختلف بقع الأرض وشتى أنحاء العالم.
في النرويج درس البرلمان قضية الشحاذين وبعد أخذ ورد لم يتوصل المشرعون إلى أي حل، والسبب واضح. لا يحق للشرطة ولا للمشرعين استخدام العنف والقوة للتعامل مع البشر أي بشر وليس المواطنين وحسب إلا بعد الحصول على إذن من القضاء.
والسلطة القضائية تقول ليس هناك نص قانوني يسمح لأي أحد أن يطرد هؤلاء الناس أو حتى يشتكي عليهم طالما أنهم لم يقترفوا ذنبا يستوجب إدانتهم.
الوسيلة الوحيدة هي طردهم من البلد وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. ولكن حتى هذا الإجراء يجب أن يتم من خلال وسائل إنسانية بحتة، أي أن ينبه الشحاذون أكثر من مرة أنهم سيرحلون ويطلب منهم التعاون مع السلطات كي تتم إعادتهم.
بيد أنه حتى إعادتهم ستكلف مبالغ كبيرة، حيث تحتاج الشرطة إلى فوج من المترجمين لتوصيل الرسالة إليهم ومن ثم بإمكان بعضهم إن كانت لديه إمكانية تغطية نفقات توكيل محام ذكي أن يطالب بتعويض عن أي ضرر لحق أو سيلحق به بسبب وجوده في هذه البلدان.
وفي السويد ذاتها يعاني الشحاذون ربما أكثر من أي بلد آخر في الدول هذه. السويد في طريقها إلى إلغاء العملة الورقية والمعدنية من التداول اليومي. السويد أكثر بلدان العالم تداولا لبطاقات الائتمان. قلما يحمل الناس هنا نقودا ورقية أو معدنية غير بطاقات الفيزا أو غيرها.
الناس تمنحهم الفواكه أو الأكل أو الملابس والشحاذون يريدون الفلوس.
آخر اقتراح غريب قرأته في الصحافة هنا هو مفارقة عجيبة، ولكن لا أشك في صدق مقدمه الذي يطلب من الحكومة منح الشحاذين آلات تسجيل نقد إلكترونية مع حساب في مصرف كي يتمكن الناس من مساعدتهم باستخدام بطاقات الائتمان.