مرشد طلابي.. وحيد
بعد مقارنة طبيعة عمل مرشدي طلاب المدارس ونماذج الإرشاد التجاري والمهني الجديدة وصلت إلى استنتاجين، الأول أن هناك عزلة كبيرة بين الدور الإرشادي الذي يعرفه ويمارسه مرشدو المدارس وبين مفاهيم الإرشاد الحديثة والمتجددة التي يحتاج إليها الطلاب. والثاني أن أدبيات برامج الإرشاد والتوجيه لدى وزارة التربية والتعليم "سابقا" معقولة ومقبولة، ولكنها مجرد حبر على ورق.
هناك أسبوع للإرشاد المهني، ولكن الطلاب هم آخر من يسمع عنه. هناك مرشد في كل مدرسة ـــ وهذا يعني مدخلا مؤثرا لأعداد هائلة من الطلاب ـــ ولكن هذا المرشد لا يجد ما يكفي من الدعم للقيام بمهامه التقليدية، فضلا عن تلك التي يتطلبها دوره الإيجابي والوقائي. يعمل هذا المرشد وحيدا، فلا هو مرتبط بشبكة من المرشدين في مجاله ولا يجد غيره من المرشدين في المجالات الأخرى ليساهموا معه في تطوير القدرات والإمكانيات الإرشادية. وإضافة إلى كل ذلك، لا تجد الأسرة ما يكفي من التوعية التي تسمح لها بالتكامل مع دور المرشد في المدرسة.
نحن بحاجة إلى جيش من المبدعين والعلماء والمفكرين وبكل تأكيد، من المهنيين المنتجين في كل مجال حيوي مهم. ولكننا قبل ذلك في حاجة إلى كتائب من المرشدين المتخصصين في كل مجال ومهنة. كل فرد من هؤلاء يحتاج إلى المرشد المتمكن كما يحتاج إلى المعلم الجيد، بل قد يقرأ أحدهم من كتاب ـــ أو موسوعة على الإنترنت ــــ في أي وقت، ولكنه لن يجد مرشدا ملائما يساعده خصوصا عندما يحتاج إليه.
تجددت صور الإرشاد في السنوات الأخيرة وتنوعت أشكاله، خصوصا في المجالات المهنية والأعمال، وبقيت بعض تطبيقاته الأخرى معزولة عن الواقع ومتأخرة عنه. وعلى الرغم من اختلاف تطبيقات الإرشاد وتداخلها مع التوجيه والاستشارات أحيانا، إلا أنه يتسم في كل الأحوال بالمرونة والجدية وقوة التأثير، والأهم هو الوجود في الوقت المناسب وبالطريقة التي تلائم المستفيد.
عالميا، نالت تطبيقات الإرشاد العديد من التطورات التي تؤثر في سلوكيات المرشدين ونتائجهم؛ معظم هذه التطورات مرتبطة باستخدام الشبكات الإرشادية وتوافر المعلومات الملائمة والاستفادة من تجمعات الاهتمام المشترك. حسنت وسائل التواصل الاجتماعي من هذه التطورات، ولكنها لا تزال بحاجة إلى دعم منتظم ودائم واستراتيجيات موحدة على مستوى المجتمع. وهذا ما يحصل فعليا في دول مثل كوريا وفنلندا وبريطانيا، ففي كوريا على سبيل المثال هناك منظمات تقابل بين طلاب المدارس والمرشدين حسب الاهتمامات المشتركة بغض النظر عن المدرسة التي ينتمي إليها الطالب وتحفز اللقاءات الجماعية والثنائية المتواصلة.
عندما يحصل المرشد على المعلومة المؤثرة في قرار الطالب يصبح أكثر قدرة على تمكينه وتغيير مجرى حياته نحوى الأفضل. وهذا ينتج على سبيل المثال عند توفير تقارير ونشرات منتظمة بمعلومات محدثة عن سوق العمل، أو عن اهتمامات الصغار والشباب المتجددة حتى لو كانت عن آخر صيحاتهم الإلكترونية أو الفنية. أي تباعد بين المرشد وواقع المستفيد يعني تباعدا في التفكير وضعفا في التأثير.
لا ينحصر دور المرشد في المساعدة على حل المشكلات ـــ وهذا ما يحصل في كثير من التطبيقات الإرشادية اليوم ــــ بل يمتد إلى التوعية والتمكين والتحفيز قبل حدوث المشكلة. المرشد الجيد يمنح المستفيد القدرة على اتخاذ القرار عندما يحتاج إلى ذلك ولا يتخذ القرار نيابة عنه، وهذا مشروط باستعداد مسبق وتأثير مبكر قبل الحدث وليس بعده.
يظهر دور المرشد كخليط بين المعلم والأب الروحي وبين المدرب والمستشار وبين الأخ الأكبر والصديق. ولا أعتقد بوجود إنسان لم يستفد من آخر في علاقة إرشادية مؤثرة. بالتوجيه الذكي لهذه القدرة الكامنة وللثروات البشرية الواعدة تتجلى أقوى مسرعات التحفيز والتأثير المتخصص. كلما تحسنت جودة المرشدين تحسنت جودة اتخاذ القرارات لدى المستفيدين، وهذا يعني بكل بساطة مجتمعا أقرب إلى الطريق الصحيح.
لدينا اليوم العديد من الهياكل الإرشادية في المدارس والجامعات والكليات، ولكن جل أعمالها إجرائية ترتبط ببعض الفعاليات والأحداث السنوية وأحيانا بالمشكلات بعدما تقع. الاستثمار في هذه الهياكل بإعادة تعريفها وضبط أدوارها كما يتطلبه واقع اليوم وحاجة شبابنا أمر لابد منه. ولا أستبعد أن يكون تطوير هذه الأجهزة الإرشادية وتمكينها من الاستفادة من تطبيقات الإرشاد الحديثة - وخصوصا الإرشاد المهني – على طاولة وزير التعليم.