رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بين النصر والهلال .. عظة

في حقبة الغيبوبة الصفراء، تفنن بعض الهلاليين في السخرية من النصر حد الألم، أجاد هؤلاء البعض في صنع النكتة وحياكة الطرفة التي كان بطلها غريمهم الأبدي قطب العاصمة الآخر، سلوك طبيعي صدوره عن جماهير علاقتها بالكرة هي الحب والتشجيع فقط، ويحدث هذا في كل مكان في العالم، تتدحرج فيه المدورة الساحرة، إلا أنه كان سلوكا يبعث على الكراهية عندما يصدر من مسؤول أيا كان دوره.
.. لم يكن النصراويون حينها يعرفون مصدرا واحدا للألم، فريقهم المتهلهل الضعيف، أم سخرية الخصوم، فكل ما كانوا يقولون حقا أو باطلا، تذروه الرياح، ويقابل بضحكات الاستهزاء المتعالية، والنفس البشرية كما يسكنها الخير فيها من الشر كثير، ولا يكذب المؤرخون حينما قالوا: "التاريخ يكتبه المنتصرون". تراكمات هذه السنين أوجدت سوادا هائلا في الصدور الصفراء، يبعث روحا شريرة تدعو إلى الانتقام بذريعة القصاص مما مضى.
الهلال الكيان، والنصر الكيان، لا ذنب لهما، ولا يختاران من يشجعهما وما يصدر عن أنصارهما، فتلك هي كرة القدم مسرح كبير يعتلي خشبته كل أحد بلا استئذان، خاصة مع تعدد منابر الإعلام الجديد.
دارت الأيام، والأيام دُول، واستفاق النصر من غيبوبته الطويلة، فجندل خصومه في الملعب، وأشرقت شمسه من جديد، رافق ذلك تراجع كبير في هلال البطولات والإنجازات، فانقلبت الحال، وأصبح الساخر مسخورا منه، والآخر مصدّرا جديدا للنكتة السوداء ومروجا لها.. إنه تبادل حقيقي للمواقع قد يستمر طويلا وقد ينتهي سريعا.
ما كان يشكو منه النصراويون سابقا، يفعلونه الآن مع سبق الإصرار والترصد، وذريعتهم أن البادئ أظلم، وتلك حقيقة لا تُسوغ باطلا، لا يلام عليها الأصدقاء بين بعضهم والجماهير عندما تصدر عنهم، فتلك بضاعتهم في كرة القدم، ومتعتهم التي أوجدت مصطلحات جديدة كـ"الطقطقة" مثلا، والجماهير نفسها لا تجيد التفريق بين دور مسؤول وإعلامي ومشجع، تصاحب من يوافقها الهوى، وتعرض عمن يخالفها ولو كان الحق في غير موضعها.
أقوى المؤثرين على مدرجات الجماهير في كرة القدم هو مسؤول النادي، المرتبطة به الجماهير عاطفيا، ما يجعلها تسير خلفه كالمغيب عليها، وهذا الرجل معني بنوعين من المسؤولية: الأولى مسؤولية عامة تجاه الحركة الرياضية عامة، والأخرى مسؤولية خاصة تجاه ناديه، والاثنتان تسيران في خطين متوازيين تغلب فيه العامة على الخاصة، إن لزم الأمر. والخطأ كل الخطأ أن تغلب المسؤوليات الخاصة على العامة، فيتحول الكل إلى أوصال مجزأة لا يحكمها قانون وتتخاطفها الأهواء الشخصية.
.. في الأيام الماضية، لمست من بعض مسؤولي النصر وشخصياته الرسمية، ما كانوا يشكون منه سابقا، وهذا أمر خطير لا يليق بهم، ولا بالفهم الحقيقي للرياضة ومسؤولياتها الاجتماعية قبل التنافسية، وأقول لهم احذروا فالأيام دول وأنتم خير شاهد على ذلك.
يقول الغزالي رحمه الله: "الخلقُ عبارة عن هيئةٍ في النَّفس راسخة، عنها تصدر الأفعالُ بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر ورويَّة"، وبيد النصر المنتصر حاليا أن يكتب تاريخا لا تشوبه شائبة، ولا تعكره روح الانتقام، ولا يبعث على الكراهية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي