أين موضوعية الإعلام؟
ما من شك، ولا أحد يجادل في أن أخطاء وقعت، وارتكبها عرب ومسلمون، أو ظهرت إعلاميا مرتبطة بهم، هذه الأخطاء وقعت على شكل ممارسات عنف شديدة ذهب ضحيتها أناس أبرياء لا علاقة ولا ناقة لهم ولا جمل في المآسي والجرائم التي تمارس بحق المسلمين، أو بحق مقدساتهم من إساءة للرسول – صلى الله عليه وسلم - أو حرق للقرآن أو تدمير لمساجدهم. ما يقع من المسلمين يقوم به أفراد وعلى شكل تصرف فردي، أو تقوم به جماعات قد يكون لها أجندات، وخطط أملاها، وفرضها واقع المسلمين الذي لا يسر الصديق، بل يسر العدو.
جزء كبير من الأحداث يأتي نتيجة ردود فعل يرى الفرد، أو الجماعة المرتكب لها وفق اجتهاد آنٍ غير عميق أن ما يقوم به يمثل فعلا طبيعيا مشروعا ينفس عن مشاعر الغضب التي أثارتها ممارسات بحق معتقده، وبحق أمته، ومقدساته، إضافة إلى إحداث الألم في من تسبب في الإساءة، إلا أنه لا يمكن استبعاد أن جزءا من الأحداث يتم بتخطيط من أجهزة مخابرات عالمية، أو إقليمية تستغل حالة الغضب لدى هذا الفرد، أو الفئة ليقدم على هذا التصرف، وهذا يعني أن هذه الجماعات مخترقة، وإلا كيف يبرر حرق إنسان بغض النظر عن ديانته أو عرقه.
لو أردنا تفسير الأسباب الكامنة وراء هذه التصرفات المشينة التي تصل إلى حد الإجرام، لربما وجدنا أن خلط الأوراق في بعض القضايا، وفي بعض الظروف إنما هو هدف رئيس لتشكيل الرأي العام عالميا، أو في منطقة من العالم، كما يحدث في هذه الأيام، حيث يتم تشويه الإسلام والمسلمين بأفعال مشينة يرفضها الإسلام، كما أن من الأهداف التمويه بشأن مسائل أخرى، أو التمهيد، والتبرير لأعمال قد تقدم عليها دولة من الدول، والمؤسف أن بعض المسلمين يكونون أداة، ومطية طيعة لتنفيذ ما يخطط لهم، سواء علموا بكونهم طرفا، أو تم خداعهم، واستغلال حماسهم الديني، ومشاعرهم الملتهبة.
ما يقع من شباب الأمة ليس مبررا، إلا أن قلة النضج، والوعي المحدود، والحماس المفرط، إضافة إلى افتقاد التفكير العميق الذي يقارن الإيجابيات، والسلبيات، ويزنها بميزان الشرع، والعقل، وتغليب المصلحة، ومآلات الأمور، كلها عوامل لا يمكن إغفالها عند تحليل الأحداث بهدف معرفة أسبابها.
أبناؤنا بشر يقع منهم ما يقع من قبل الآخرين، بغض النظر عن العرق، والدين، ومكان التنشئة، ولذا نسمع، ونعلم بحدوث جرائم شنيعة في كل أنحاء العالم على أيدي أناس ليسوا مسلمين لكن هذه الجرائم لا تضخم، إلا أن ما يرتكبه أبناء الأمة يتم تضخيمه والتركيز عليه إعلاميا، وسياسيا، ويتم ربطه مباشرة بالدين بهدف تثبيت صورة سيئة في مخيلة الإنسان الغربي، أو المشاهد، والمستمع أينما كان، ويؤكد هذا الحشد الإعلامي، والسياسي الذي ترتب على حادثة شارلي إيبدو، إذ إن الربط بين الحدث وأسماء عربية كفيل باستمرار الصورة المشوهة للإسلام، والمسلمين حتى وإن صدرت تصريحات من هنا، أو هناك تنفي الربط بين الحدث والإسلام. لا يوجد فارق زمني كبير بين حادثة شارلي إيبدو ومقتل الطالبين السعوديين القاضي واليامي، وكذلك الطالب السوري وزوجته وأختها إلا أن الفرق كبير في التناول، فشارلي إيبدو قام لها العالم ولم يقعد، وفزع، واستنفرت جميع الطاقات بهدف تضخيمه، واستثماره بما يحقق هدف التشويه للإسلام والمسلمين، أما مقتل السعوديين والسوري والفلسطينيتين فلم يحظ بالاهتمام الذي يجب لتغطية الحدث الذي هو من أهداف الوسيلة الإعلامية بغض النظر عن الفاعل والضحية، إذ لم نشاهد قطع البرامج بهدف تغطية الحدث من قبل القنوات الفضائية، ولم نر استضافة مختصين ومحللين، كما لم نر التظاهرة السياسية كالذي حدث في باريس حين احتشد زعماء العالم.
يبدو أن تصنيف الناس بناء على عرقهم، ودينهم، وثقافتهم يمثل الأساس الذي يزيد معه الاهتمام أو يقل إن لم يختف بمقتل إنسان، أو تعذيبه وما يحدث في سورية منذ أربع سنوات، حيث يباد الناس صغارا وكبارا، ونساء، ورجالا بالبراميل المتفجرة والصواريخ، والأسلحة الكيماوية يؤكد نظرة التمييز التي تشكل الثقافة الغربية، ولا يمكن أن يجادل أحد في أن الثقافة والمصلحة هما ركائز تشكيل الاتجاهات، وتوجيه السلوك لدى عامة الناس، والسياسيين. فالثقافة الغربية المبنية على المبدأ النفعي، والغاية تبرر الوسيلة لا يمكنها أن تنتصر للحق إذا كانت مصالحها لا تتحقق، كما لا يمكن حدوث الاتساق في المواقف بناء على قيم ثابتة، بل إنها تتغير بتغير المصلحة كما يحدث من تقارب مع إيران التي كانت في يوم من الأيام تصنف باعتبارها عدوا لدودا.