رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التربية الرياضية .. والتعليم

إذا تركنا شكوى رؤساء الاتحادات الرياضية من ضعف عناصر إنتاج الموهوبين الرياضيين ـــ خصوصا المدارس ـــ الذين يمكن استقطابهم وتأهيلهم للمشاركة في البطولات المحلية والدولية والفوز بالميداليات في المحافل الرياضية الدولية ولم نعرها أي اهتمام فلا يُمكن بحال من الأحوال أن نترك شكوى أولياء الأمور والشباب من ندرة ممارسة أبنائهم للألعاب الرياضية بما يحقق فوائدها التربوية والصحية والنفسية والاجتماعية والذهنية، كما لا يمكن أن نهمل شكوى الجهات الأمنية من ندرة المنشآت الرياضية التي تشغل الشباب بما هو نافع وتحميهم مما هو ضار في أوقات فراغهم.
أشارت الدراسة في مجلة "لانسيت" الطبية إلى أن "الخمول" بسبب عدم ممارسة النشاط الرياضي أصبح وباء عالميا يتسبب في عشر الوفيات حول العالم وأصبح الخمول يقتل عددا كبيرا من الناس يعادل ما يقتله التدخين بحسب عدة بحوث نشرتها المجلة المذكورة، وتضيف الدراسة أنه لا ينال ثمانية من أصل كل عشرة من الشباب والشابات بين عمري 13 و15 قسطا كافيا من التمارين الرياضية، فيما يتخلف ثلث الكبار عن ممارسة أي نشاط رياضي، فيما تستفحل المشكلة لدى الفتيات والسيدات بمعدلات أعلى بحسب الأبحاث الجديدة.
وفي دراسة أجريت عام 2012 تعد الأكبر من نوعها وقد غطت 122 بلدا تمثل 89 في المائة من سكان العالم وجد الباحثون أن الدول الأكثر ثراء تتراجع في معدلات ممارسة النشاط البدني أكبر من غيرها، وأشارت الدراسة وقتها أن 60 في المائة من الكبار في السعودية والكويت لا يمارسون تمارين بدنية كافية.
وذكر المختص السعودي الدكتور فؤاد نيازي في دراسة نشرها أخيرا أن معدلات السمنة في السعودية ارتفعت بنسبة 30 في المائة خلال السنوات العشر الأخيرة، وقال إن نسبة السمنة في النساء أكثر من الرجال، حيث إن 29 في المائة من الرجال وهي نسب من أعلى المعدلات في العالم خاصة بين النساء، وأوضح أن البدناء في المملكة يكلفون أكثر من 500 مليون ريال سنويا بسبب ترددهم على المستشفيات لعلاج أمراض سببها المباشر هو زيادة الوزن، ولعل أكثرها مرض السكري، الذي ينتشر بشكل كبير بين البدناء.
دراسة أخرى أشارت إلى زيادة نسبة البدانة بين الأطفال، حيث وصلت نسبة السمنة بين الأطفال في السعودية إلى نحو 18 في المائة. وأوضحت الدراسة أن أهم أسباب السمنة هو الإفراط في الأكل وقلة الحركة.
منظمة اليونيسف ترى أن النشاط الجسدي المنتظم ضروري لنمو الأطفال والمراهقين من الناحية البدنية والذهنية والنفسية والاجتماعية. وقد تؤدي ممارسة الرياضة إلى تحسين صحة الطفل، وتحسين أدائه الأكاديمي، وتساعد على الحد من الجريمة كما ترى أن الرياضة أداة برنامجية فعالة للمساعدة في تحقيق الأهداف في مجالات الصحة والتعليم وأن الرياضة ليست مجرد غاية في حد ذاتها، بل أداة فعالة أيضا للمساعدة في تحسين حياة الأطفال والأسر والمجتمعات المحلية
ولقد خصصت الخطة الخمسية التاسعة فصلا مستقلا لأول مرة عن الشباب والتنمية أشارت به إلى ضرورة العمل على "إيجاد جيل من الشباب يتمتع بقدرات ومهارات علمية وبدنية وحياتية، ومتحملا مسؤولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه، ومشاركا فعالا في عملية التنمية".
ورغم كل ذلك ورغم النتائج القاتلة للخمول التي توازي المشكلات الصحية القاتلة الأخرى مثل أمراض القلب والسكري وسرطان القولون وسرطان الثدي، التي تكفي ممارسة أي رياضة لمدة نصف ساعة خمس مرات أسبوعيا لتفاديها، ورغم المخاطر الأمنية التي تتهدد شبابنا الذين يتربص بهم تجار المخدرات والمتطرفون مستغلين بذلك أوقات فراغهم الطويلة ورغبتهم في إطلاق طاقاتهم، أقول رغم كل ذلك إلا أن وزارة التعليم بشقيها التعليم العام والتعليم العالي ما زالت دون المستوى بكثير بالاهتمام بالشأن الرياضي، ولذلك يشتكي أولياء الأمور من ندرة ممارسة أبنائهم للرياضة كما تشتكي الاتحادات الرياضية من عدم استدامة إنتاج المواهب المدرسية ما يجعلها تعتمد على مواهب الصدفة التي جعلت مستويات أدائها متذبذبة ودون المستوى.
وحسب موقع اليونسكو وهي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة فإنها تؤدي دور الأمانة العامة للجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية والرياضة من خلال اللجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية والرياضة المؤلفة من 18 دولة عضوا منتخبة بهدف تعزيز التعاون الدولي في مجال النشاط البدني في سبيل تعزيز السلام والصداقة والتفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب، وأعتقد أن وزارة التعليم السعودية يجب أن تشارك في ذلك وتستثمره خصوصا أن الشباب يمثلون أغلبية المجتمع السعودي.
أسمع عن خطوات جادة لتطوير الرياضة المدرسية منذ مدة طويلة في إطار برنامج تطوير التعليم، ولكن ومع الأسف الشديد ما زالت الخطوات بطيئة لا تتناسب بتاتا مع الحاجة الماسة والطلب العالي على الألعاب الرياضية في الأوقات والمواسم كافة، رغم أن المدارس منتشرة في جميع الأحياء وفي المناطق كافة ويمكن أن تلعب دورا هائلا في إتاحة الفرصة للشباب والأطفال لممارسة الرياضة أثناء الدوام الرسمي وخارجه بفتح المرافق الرياضية لأطفال وشباب الحي في المساء وفي فصل الصيف.
وزير التعليم، إن من أكثر التعريفات التي تلقى قبولا عاما للتربية الرياضية أنها: "عملية منظمة لإحداث تغييرات مرغوب فيها في سلوك الفرد من أجل تطور متكامل في جوانب شخصيته: الجسمية، والعقلية، والانفعالية، والاجتماعية"، وأجزم أنكم توافقونني الرأي بأن هذه من صميم مهام وزارة التعليم بشقيها العام والعالي.
أيها الوزير كلي أمل أن تنظرون إلى التربية الرياضية كمهمة جوهرية لوزارتكم لأبعادها التربوية والصحية والنفسية والاجتماعية والتعليمية والأمنية، وكلي أمل أن تهتمون بالمنشآت والمرافق الرياضية في المدارس والجامعات لإحداث نقلة نوعية بما يجعلها منشآت معيارية تغص بممارسي الألعاب الرياضية في جميع الأوقات والمواسم من أجل مجتمع سليم الجسم والعقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي