رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نحو تجمع مهني وميثاق شرف للهيئات الوطنية

هل الهيئات التي تنظم الأسواق المختلفة وتنظم أعمال الشركات في مختلف القطاعات أو تلك إلى تنظم المهنيين في مهنة ما، هل تصنف كقطاع خاص أم قطاع عام أم منظمات غير هادفة للربح؟ لا أسأل السؤال لأنني لا أعرف الإجابة القانونية له، بل لأن الحابل اختلط بالنابل وأصبحنا في حاجة ماسة إلى تصنيف دقيق لعمل هذه الهيئات اليوم، كل حسب أعمالها التي تمارسها فعلا وليس حسب نظامها! فنحن نشهد اليوم تحولات كبيرة في عمل هذه الهيئات وعلاقات منسوبيها بالآخرين، وعديد من الممارسات المختلفة سواء لهذه الهيئات أم لمنسوبيها تعد ممارسات لا تتناسب مع المهمة الموكلة إليهم نظاما. ممارسات يظهر من خلالها كثير من تضارب المصالح الظاهري وعدم الاستقلال المهني، لكنها - مع الأسف - ممارسات لا يمنعها نظام الهيئات بذاته، ولا توجد أعراف مهنية تمنعها أيضا.
كمثال على هذا التضارب في المصالح أن تقوم هيئة أو مؤسسة ما بإنشاء شركة أو شركات تقوم بأعمال لمؤسسات وشركات تشرف هذه الهيئة على أعمالها، أو أن تقوم بالمشاركة مع هيئة أخرى بإنشاء شركة تقدم خدمات ومن ثم تتحصل على إيرادات يتم توزيعها كأرباح للهيئتين وتدفع مكافآت لموظفي الهيئتين، أو تقوم من خلال هذه الشركة بعقد اتفاقيات مع وزارات معينة من أجل توظيف عدد معين من الموظفين يحصلون على رواتبهم من العقود المبرمة مع هذه الوزارات، وبالتأكيد فهم يخضعون لشروط التوظيف التي وضعها من قام بتأسيس الشركة، وعليهم الالتزام بمقتضيات هذا التوظيف ومجالاته، مثال آخر على التضارب في المصالح يحدث حين تجد موظفي الهيئات قد عملوا في لجان شركات من المتوقع أن تكون لها علاقة بالشركات التي يشرفون عليها، أي أن يقوم موظف في الهيئة بالعمل في لجنة في شركة تقوم بترشيح الشركات التي تشرف الهيئة على أعمالها، أو أن تجد موظفي الهيئات وقد شاركوا في أعمال للجان في الغرف التجارية لقطاعات لها علاقة بالشركات التي تشرف الهيئة على تنظيم سوقها، ومن أنواع تضارب المصالح أن ترى موظفي بعض مؤسسات التمويل والإقراض وهم يشاركون في أعمال شركات ومؤسسات من المتوقع أن تحصل على تمويل من جهات الإقراض. فمثل هذا التضارب الظاهري في المصالح سيؤثر حتما في سلوك من وقع في مثل هذه الممارسات.
في المؤسسات الحكومية لا يحدث مثل هذا التضارب عادة، فالحكومة جادة في التعامل مع هذه الحالات فهي لا تسمح لموظفيها بالعمل أو مشاركة أي مؤسسة أخرى، وأي مشاركة من هذا النوع تخضع لرقابة صارمة، في شركات القطاع الخاص فإن مثل هذه الممارسات محببة لأنها لا تمثل عادة تضاربا في المصالح بل مثل هذه العلاقات تعزز من تحقيق أهداف الشركة الربحية وزيادة العوائد، لكن في الهيئات حالات لا يمكن تفسيرها.
هناك هيئات لها نظام أخلاقي صارم يمنع مثل هذا التضارب، من بينها هيئة مكافحة الفساد وهيئة السوق المالية، اللتين تمنعان الموظف من المشاركة في لجان لشركات أو مؤسسات قد تكون لها علاقة بأعمال الهيئة أو قد تخضع لأعمالها مستقبلا. وهذا الإجراء يحمي موظفي الهيئتين من الانزلاق في مغريات الشركات والمؤسسات في مختلف القطاعات، التي تقدم إغراءها في قوالب العمل المهني والمشاركة المجتمعية، لكنها تحمل في طياتها كثيرا من التضارب في المصالح حتى إن كان ذا تأثير غير مباشر.
لدينا اليوم حاجة أساسية لإصلاح وضع الشركات التي تنشئها الوزارات أو المؤسسات المختلفة، كما أننا بحاجة ماسة إلى وضع ميثاق شرف وقواعد أخلاق مهنية لمن يعمل في إدارة هذه الشركات والهيئات المنظمة لأعمال قطاعات مختلفة سواء كانت صناعية أم مهنية. لدينا اليوم عديد من الهيئات منها على سبيل المثال هيئة الغذاء والدواء وهيئة الاستثمار وهيئة المواصفات والمقاييس وهيئة السوق المالية وهيئة الاتصالات وهيئة التخصصات الطبية وهيئة المحاسبين وغيرها كثير مما يصعب حصره في هذا المقال، فلماذا لا ينشأ تجمع مهني للمسؤولين عن هذه الهيئات، تجمع مهني له قواعد أخلاق وميثاق شرف، يجمع له عديد من الأهداف مثل تبادل الخبرات والتجارب والمختصين واللجان، تجمع مهني الهدف الأساسي له هو منح كبار المسؤولين في هذه الهيئات المنظمة للتجمع استقلالا، يساعدهم على مقاومة إغراءات وضغوط المؤسسات التي يتعاملون معها.
من خلال هذا التجمع المهني تتم صياغة ميثاق الشرف الذي من خلاله يتفق الجميع على الامتناع الطوعي عن ممارسة أي مهام قد تثير الشك في وجود تعارض في المصالح، كما يمكن من خلال هذا التجمع أن يتم عقد ورش عمل تنتهي بصياغة موحدة لهذا الميثاق. وكما أشرت سابقا فإنه يمكن من خلال هذا الميثاق الاتفاق على تبادل الخبرات والمختصين بين الهيئات، فإذا أرادت هذه الهيئات الاستعانة بمختصين في لجانها المختلفة فإنه عليها اللجوء أولا إلى التجمع المهني وأعضائه قبل أن تبحث عن مستشارين من خارج التجمع قد يكون لديهم تضارب في المصالح.
في اعتقادي أن وجود ميثاق الشرف والأخلاق المهنية للعاملين في الهيئات الوطنية أصبح مطلبا ضروريا، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يحقق هذا الميثاق مقصوده أو حتى أن تتم صياغته وإقراره ما لم يتم إنشاء التجمع المهني الذي أشرت إليه. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي